وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا وَعَدَدًا كَمَا
ــ
[كشف الأسرار]
حَرَّمْت كَذَا أَوْ إذَا أَوْجَبْتُ كَذَا فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا وَإِنْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ فَلَا امْتِنَاعَ أَيْضًا فِي أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مُسْتَلْزِمًا حُصُولَ مَصْلَحَةٍ لَا تَحْصُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادٍ فَثَبَتَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْحُكْمِ جَائِزٌ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرْنَا الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْتِقَاضَ الْعِلَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّقْدِيمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً بِذَاتِهِ بَلْ بِجَعْلِ الشَّارِعِ إيَّاهُ عِلَّةً بِقِرَانِ الْحُكْمِ الْآخَرِ بِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا عَدَمَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْعِلِّيَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ، وَالْمُتَأَخِّرُ يَصْلُحُ مُعَرِّفًا لِلْمُتَقَدِّمِ وَلَا عَلَى تَقْدِيرِ الْمُقَارَنَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطُ الْعِلِّيَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْلُنَا فِي الْمُدَبَّرِ إنَّهُ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالتَّعْلِيقِ وَقَوْلُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى احْتِرَازٌ عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ فَإِنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، أَوْ قَدِمَ غَائِبِي فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ قَالَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مِنْ الْمَرَضِ الْفُلَانِيِّ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي.
١ -
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ) أَيْ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ فَرْدًا أَيْ وَصْفًا فَرْدًا، وَهُوَ بِلَا خِلَافٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَدًا مِنْ الْأَوْصَافِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ مِنْ اجْتِمَاعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ حَتَّى لَوْ كَانَ كُلُّ وَصْفٍ يَعْمَلُ فِي الْحُكْمِ بِانْفِرَادِهِ كَاجْتِمَاعِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ وَالرُّعَافِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلٌّ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ الْحَدَثِ وَكَاجْتِمَاعِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالرِّدَّةِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُسْتَبِدٍّ فِي إيجَابِ الْقَتْلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ التَّعْلِيلُ بِعَدَدٍ مِنْ الْأَوْصَافِ جَائِزٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ ثَبَتَ بِهِ عِلِّيَّةُ الْأَوْصَافِ الْمُتَعَدِّدَةِ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُتَعَدِّدَةِ عِلَّةً بِمَا يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى ظَنِّ التَّعْلِيلِ بِهَا مِنْ تَأْثِيرٍ، أَوْ مُنَاسَبَةٍ أَوْ إخَالَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَصْفٍ وَاحِدٍ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَرْكِيبَ الْعِلَّةِ لَوْ صَحَّ لَكَانَتْ الْعِلِّيَّةُ صِفَةً زَائِدَةً عَلَى مَجْمُوعِ الْأَوْصَافِ؛ لِأَنَّا نَعْقِلُ مَجْمُوعَ الْأَوْصَافِ وَنَجْهَلُ كَوْنَهَا عِلَّةً وَالْمَجْهُولُ غَيْرُ الْمَعْلُومِ بَعْدَمَا ثَبَتَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: حَصَلَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِتَمَامِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَصْفٍ عِلَّةً لَا أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ حَصَلَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ لِلْمَجْمُوعِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ إنْ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْصَافِ جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الصِّفَةِ الْعَقْلِيَّةِ بِحَيْثُ يَكُونُ لَهَا نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَرُبُعٌ مُحَالٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حُصُولِ الصِّفَةِ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ شَيْءٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يَنْتَقِضُ بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْحُرُوفِ بِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ خَبَرًا زَائِدٌ عَلَيْهِ ثُمَّ إمَّا أَنْ يَقُومَ كَوْنُهُ خَبَرًا بِكُلِّ حَرْفٍ أَوْ بِمَجْمُوعِ الْحُرُوفِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ انْقِسَامُ الْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute