للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَابِ الرِّبَا، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّصِّ وَهَذَا لَا يَشْكُلُ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِعْدَامِ الْعَاقِدِ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ مَعْلُولٌ بِالْجَهَالَةِ، أَوْ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ وَعَلَّلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ بِإِرْقَاقِ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ لَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى آخَرِ مَا ذَكَرْتُمْ وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ مَجْمُوعِ الْأَوْصَافِ عِلَّةً هُوَ أَنَّ الشَّارِعَ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهُ رِعَايَةً لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَوْصَافُ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَةً لَهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ صِفَةً زَائِدَةً لِيَلْزَمَ مَا ذَكَرُوهُ وَقَوْلُهُ كَمَا فِي الرِّبَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ عَدَدًا فَإِنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوَصْفَيْنِ وَهُمَا الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْجَمِيعِ فَإِنَّ حُرْمَةَ رِبَا النَّسِيئَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْجِنْسُ أَوْ الْقَدْرُ عِنْدَنَا وَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَصْفَيْنِ كَمَا قُلْنَا فَيَكُونُ الرِّبَا مِثَالًا لِلْفَرْدِ وَالْعَدَدِ جَمِيعًا وَالتَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ مِثْلُ تَعْلِيلِنَا فِي نَجَاسَةِ سُؤْرِ السِّبَاعِ بِأَنَّ السِّبَاعَ حَيَوَانٌ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ لَا لِكَرَامَتِهِ وَلَا بَلْوَى فِي سُؤْرِهِ فَيَكُونُ سُؤْرُهُ نَجَسًا كَسُؤْرِ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَكَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ مِنْ الْخَشَبِ بِأَنَّهُ قَتْلُ عَمْدٌ عُدْوَانٌ مَحْضٌ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ مَنْ جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِالْأَوْصَافِ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى عَدَدٍ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزِيدَ الْأَوْصَافَ عَلَى سَبْعَةٍ وَجْهُهُ أَنَّ أَقْصَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مَحَلُّهُ وَمَعْنَى يَقْتَضِيهِ إمَّا مُطْلَقًا، أَوْ مَشْرُوطًا بِوُجُودِ شَرْطٍ، أَوْ عَدَمِ مَانِعٍ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي بِالْفَاعِلِ فَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّتُهُ وَأَقْصَاهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، ثُمَّ قَدْ لَا يَشْتَغِلُ بِهِ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ بِصِيَغِ الْمُعَارَضَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إيجَابًا وَقَبُولًا صُدُورًا مِنْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فِي الْمَحَلِّ مَعَ قِرَانِ الشَّرْطِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهِيَ سَبْعَةٌ وَكُلُّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَيْهَا وَلَمَّا لَمْ يَخْلُ هَذَا عَنْ تَكَلُّفٍ كَمَا نَرَى أَعْرَضَ عَنْهُ الْعَامَّةُ وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى عَدَدٍ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِي النَّصِّ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَذْكُورًا فِي النَّصِّ لَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتًا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَالتَّعْلِيلِ بِالطَّوَافِ فِي الْهِرَّةِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ» ، أَوْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْهِرَّةُ، وَكَذَا التَّعْلِيلُ بِالْقَدْرِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْلًا بِكَيْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ، أَوْ ثَابِتٌ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَشْيَاءُ السِّتَّةُ.

وَهَذَا لَا يَشْكُلُ أَيْ جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِوَصْفٍ فِي النَّصِّ غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ هُوَ الَّذِي يُعَلِّلُ فَالتَّعْلِيلَ بِوَصْفٍ فِيهِ يَكُونُ صَحِيحًا لَا مَحَالَةَ.

وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِهِ مَعْنًى وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتًا بِصَرِيحِ النَّصِّ، أَوْ لَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ فِي غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ مِثْلُ تَعْلِيلِ جَوَازِ السَّلَمِ بِإِعْدَامِ الْعَاقِدِ أَيْ بِفَقْرِهِ وَاحْتِيَاجِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْإِعْدَامَ مَعْنًى فِي الْعَاقِدِ لَا فِي السَّلَمِ لَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِهِ أَيْ بِالنَّصِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وُجُودَ السَّلَمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ يَقْتَضِي عَاقِدًا وَالْإِعْدَامُ صِفَتُهُ فَكَانَ ثَابِتًا بِاقْتِضَائِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِعَيْنِ النَّصِّ وَعَلَّلَ الشَّافِعِيُّ عَدَمَ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» بِأَنَّهُ أَيْ نِكَاحَ الْأَمَةِ إرْقَاقُ جُزْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ الْوَلَدُ مَعَ الْغُنْيَةِ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ وَعَدَاهُ إلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ طُولِ الْحُرَّةِ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِصَرِيحِهِ وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِهِ فَإِنَّ ذِكْرَ النِّكَاحِ يَقْتَضِي نَاكِحًا كَمَا أَنَّ ذِكْرَ السَّلَمِ يَقْتَضِي عَاقِدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>