للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا اسْتَوَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا تُعْرَفُ صِحَّتُهَا بِأَثَرِهَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ، وَاتَّفَقُوا أَنَّ كُلَّ أَوْصَافِ النَّصِّ بِجُمْلَتِهَا لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً.

وَاخْتَلَفُوا فِي دَلَالَةِ كَوْنِهِ عِلَّةً عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَ أَهْلُ الطَّرْدِ: إنَّهُ يَصِيرُ حُجَّةً بِمُجَرَّدِ الِاطِّرَادِ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى يُعْقَلُ

ــ

[كشف الأسرار]

وَالْإِرْقَاقُ صِفَتُهُ فَكَانَ ثَابِتًا بِمُقْتَضَى النَّصِّ.

وَذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْوَصْفِ قَائِمًا بِمَحَلِّ الْحُكْمِ فَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ هُوَ شَرْطٌ اسْتِدْلَالًا بِالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَرَكَةِ عِلَّةٌ لِصَيْرُورَةِ الذَّاتِ مُتَحَرِّكًا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْحَرَكَةُ فِي مَحَلِّ عِلَّةٍ لِصَيْرُورَةِ ذَاتِ آخَرَ مُتَحَرِّكًا فَكَذَا فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَنَحْوَهَا عِلَلٌ لِثُبُوتِ الْأَحْكَامِ فِي الْمَحَالِّ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ قَائِمَةٌ بِالْعَاقِدَيْنِ.

وَكَذَا كَوْنُ الشَّخْصِ مُعْدَمًا مُحْتَاجًا، عِلَّةُ جَوَازِ السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا الْوَصْفُ قَائِمٌ بِالْعَاقِدِ لَا بِمَحَلِّ الْحُكْمِ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ وُجُودُهُ شَرْطًا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ وَدَلَالَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ وَقِيَامُ الدَّلِيلِ بِالْمَدْلُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّلِيلِ كَالْعَالَمِ دَلِيلُ وُجُودِ الصَّانِعِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ السِّحْرَ عِلَّةٌ لِتَغَيُّرِ الْمَسْحُورِ.

وَكَذَا الْعَيْنُ عِلَّةٌ لِتَغَيُّرِ الشَّيْءِ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْعَيْنُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ الْعِلَّةُ بِهَذَا الشَّرْطِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِهَذَا أَنْكَرُوا السِّحْرَ وَالْعَيْنَ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا اسْتَوَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ) يَعْنِي الْوُجُوهَ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ قَوْلِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا إلَى قَوْلِهِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِهِ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ كَوْنُ الْوَصْفِ حُجَّةً وَيُعْرَفُ بِهِ كَوْنُهُ عِلَّةً هُوَ الْأَثَرُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَذَلِكَ أَيْ الْأَثَرُ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ هَذِهِ الْوُجُوهِ لِجَوَازِ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَمَتَى ظَهَرَ لِشَيْءٍ مِنْهَا التَّأْثِيرُ فَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً فَوَجَبَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ.

وَاتَّفَقُوا أَنَّ كُلَّ أَوْصَافِ النَّصِّ بِجُمْلَتِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَوْصَافِ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ بِوَصْفِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَذْكُورِ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ التُّرْكِيَّ وَالْهِنْدِيَّ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا لِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا لِوِقَاعِ الْأَهْلِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِالزِّنَا وَبِوَطْءِ الْأَمَةِ وَلَا لِلْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ فَإِنَّ سَائِرَ الْأَيَّامِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَسَائِرِ شُهُورِ رَمَضَانَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْحَوَادِثِ فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَكَانِ كَذَا وَزَمَانِ كَذَا وَلَا دَخْلَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي الْحُكْمِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّعْلِيلَ بِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ تَعْلِيلٌ بِمَا لَا يَتَعَدَّى؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْصَافِ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَكَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْجَمْعِ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِكُلِّ وَصْفٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ فِي الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحِنْطَةَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنَّهَا مَكِيلَةٌ مَطْعُومَةٌ مُقْتَاتَةٌ مُدَّخَرَةٌ جب جثم شَيْءٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ كُلَّ وَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ عِلَّةٌ لِحُكْمِ الرِّبَا فِيهَا بَلْ الْعِلَّةُ بَعْضُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُعَلِّلِ أَنْ يُعَلِّلَ بِأَيِّ وَصْفٍ شَاءَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ ادَّعَاهُ وَصْفًا مِنْ الْأَوْصَافِ أَنَّهُ عِلَّةٌ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَاهُ الْحُكْمَ فَكَمَا لَا يُسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الْحُكْمِ بِلَا دَلِيلٍ لَا يُسْمَعُ دَعْوَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً بِلَا دَلِيلٍ.

وَذَكَرَ بَعْضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>