للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتَّفَقُوا فِي صَلَاحِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ مُلَاءَمَتَهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوَافَقَةِ مَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الْعِلَلِ الْمَنْقُولَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَتُعْرَفُ مِنْهُ وَلَا يَصِحُّ كَمَا الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ الْمُلَاءَمَةِ لَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِشَهَادَةٍ قَبْلَ الْأَهْلِيَّةِ لَكِنْ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَالْعَدَالَةُ عِنْدَنَا: هِيَ الْأَثَرُ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْأَثَرِ مَا جُعِلَ لَهُ أَثَرٌ فِي الشَّرْعِ

ــ

[كشف الأسرار]

عِلَّةً مِنْ مَعْنًى يُعْقَلُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَيُسَمَّوْنَ أَهْلُ الْفِقْهِ، وَهَذَا أَيْ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ الَّذِي لَا بُدَّ لِصَيْرُورَةِ الْوَصْفِ حُجَّةً مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْحُكْمِ، ثُمَّ يَكُونُ مُعَدَّلًا وَذَلِكَ أَيْ الْوَصْفُ فِي اعْتِبَارِ الصَّلَاحِ وَالْعَدَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ صَلَاحِهِ لِلشَّهَادَةِ أَوَّلًا بِوُجُودِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ إنْ كَانَ شَاهِدًا عَلَى الْمُسْلِمِ فِيهِ ثُمَّ اعْتِبَارُ عَدَالَتِهِ ثَانِيًا بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا عَنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ لِيَصِحَّ مِنْهُ الْأَدَاءُ.

ثُمَّ لَا يَصِحُّ الْأَدَاءُ إلَّا بِلَفْظٍ خَاصٍّ يُنْبِئُ عَنْ الْوَكَادَةِ وَالتَّحْقِيقِ، وَهُوَ لَفْظُ أَشْهَدُ، أَوْ مَا يُسَاوِيهِ فِي الْمَعْنَى مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ فَكَذَا هَاهُنَا لَا بُدَّ لِجَعْلِ الْوَصْفِ عِلَّةً مِنْ صَلَاحِهِ لِلْحُكْمِ بِوُجُودِ الْمُلَاءَمَةِ وَمِنْ عَدَالَتِهِ بِوُجُودِ التَّأْثِيرِ وَمِنْ اخْتِصَاصِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ كَاخْتِصَاصِ الشَّهَادَةِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ، أَوْ بِكُلِّ وَصْفٍ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا قُلْنَا ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ الْوَصْفَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ وَجَعَلَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِيَاسِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ، وَالْأَصْلُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْوِيمِ فِي بَيَانِ اشْتِرَاطِ الْمُلَاءَمَةِ فَقَالَ: الْمُلَاءَمَةُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ شَاهِدٌ وَالْوَصْفَ الْمُسْتَنْبَطُ شَهَادَةٌ وَالشَّهَادَةُ مُخْتَصَّةٌ بِلَفْظٍ، وَهُوَ أَشْهَدُ فَمَتَى أَتَى بِهِ يَجِبُ الْقَبُولُ وَإِذَا أَتَى بِغَيْرِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ يَجِبُ الْقَبُولُ وَإِلَّا فَلَا فَكَذَا الْقَايِسُ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ مَنْقُولٍ عَنْ السَّلَفِ يُقْبَلُ وَإِذَا أَتَى بِغَيْرِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ يَجِبُ الْقَبُولُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا.

وَيُوَافِقُهُ مَا ذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيلَ لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مُلَائِمٌ وَإِذَا صَارَ مُلَائِمًا لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بِالْعَدَالَةِ وَذَلِكَ بِكَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ وَإِنْ عَمِلَ بِهِ قَبْلَ التَّأْثِيرِ صَحَّ فَأَمَّا قَبْلَ الْمُلَاءَمَةِ فَلَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ كَالشَّاهِدِ إذَا شَهِدَ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَأْتِيَ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ بِمَا يُمَاثِلُهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى وَلَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِذَا جَاءَ بِلَفْظِ أَشْهَدُ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يُعَدَّلَ وَإِنْ عَمِلَ بِهِ صَحَّ وَنَفَذَ إذَا كَانَ مَسْتُورًا بِلَا خِلَافٍ فَعَلَى مَا ذُكِرَ هَاهُنَا لَوْ لَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ الْأَدَاءُ إلَّا بِلَفْظٍ خَاصٍّ لَتَمَّ التَّمْثِيلُ وَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ وَمُخْتَصَرِهِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِتَمَامِ التَّمْثِيلِ قَوْلُهُ (وَاتَّفَقُوا) أَيْ الشَّارِطُونَ لِصَلَاحِ الْوَصْفِ وَعَدَالَتِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِصَلَاحِ الْوَصْفِ مُلَاءَمَتُهُ أَيْ مُوَافَقَتُهُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ بِأَنْ يَصِحَّ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ نَابِيًا عَنْهُ كَإِضَافَةِ ثُبُوتِ الْفُرْقَةِ فِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى إبَاءِ الْآخَرِ عَنْ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ يُنَاسِبُهُ لَا إلَى وَصْفِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عُرِفَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ لَا قَاطِعًا لَهَا.

وَكَذَا الْمَحْظُورُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ وَالْمُبَاحُ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ لِعَدَمِ الْمُلَاءَمَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ أَيْ الْمُلَاءَمَةُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ عَلَى مُوَافَقَةِ مَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الْعِلَلِ الْمَنْقُولَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّلُونَ بِأَوْصَافٍ مُلَائِمَةٍ لِلْأَحْكَامِ غَيْرِ نَابِيَةٍ عَنْهَا فَمَا كَانَ مُوَافِقًا لَهَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَمَا لَا فَلَا قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُرَادُ بِالْمُنَاسِبِ مَا هُوَ عَلَى مِنْهَاجِ الْمَصَالِحِ بِحَيْثُ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ انْتَظَمَ كَقَوْلِنَا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ؛ لِأَنَّهَا تُزِيلُ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مِلَاكُ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لَا كَقَوْلِنَا حُرِّمَتْ؛ لِأَنَّهَا تَقْذِفُ بِالزَّبَدِ وَتُحْفَظُ فِي الدَّنِّ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ وَنَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُنَاسِبَ مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ، ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ حَيْثُ يُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ مُنَاسِبٌ لِهَذَا الشَّيْءِ أَيْ مُلَائِمٌ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِلْمُنَاظِرِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>