وَهَلْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَك إلَّا بِأَنْ وَقَفْت عَنْ الطَّلَبِ وَقَدْ كَانَ يَتَأَدَّى لَك ذَلِكَ قَبْلَ الطَّرْدِ وَأَمَّا الْعَدَمُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَكَيْفَ يَصْلُحُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَثْبُتَ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ عَدَمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُوجَدُ فِي عِلَلِ السَّلَفِ
ــ
[كشف الأسرار]
أَمَّا قَوْلُهُمْ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ لَمْ يَكُنْ اتِّفَاقًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ كَمَا يَكُونُ اتِّفَاقًا يَكُونُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ اتِّفَاقًا أَيْضًا فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً وَلِأَنَّ نِهَايَةَ الطَّرْدِ الْجَهْلُ أَيْ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْمُعَارِضِ وَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لِهَذَا الْوَصْفِ مُنَاقِضٌ وَلَا مُعَارِضٌ أَصْلًا بَلْ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنْ يَقُولَ إلَى مَا وَجَدَتْ لَهُ مُعَارِضًا وَلَا مُنَاقِضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الطَّرْدُ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَهَلْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَيْ وَمَا ثَبَتَ عَدَمُ الْمُعَارِضِ وَالْمُنَاقِضِ عِنْدَك إلَّا بِالْوُقُوفِ عَنْ طَلَبِهِمَا وَقَدْ كَانَ يَتَأَدَّى أَيْ يَتَهَيَّأُ لَك ذَلِكَ أَيْ الْوُقُوفُ عَنْ طَلَبٍ وَالْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ وَالْمُنَاقِضِ قَبْلَ الطَّرْدِ وَأَمَّا الْعَدَمُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا أَيْ لَا يَصْلُحُ فِي نَفْسِهِ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الشَّيْءِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَكَيْفَ يَصْلُحُ أَيْ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى يَعْنِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَصْلُحُ دَلِيلًا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْوَصْفِ لَامْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ عِلَّةٍ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَلَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ إلَّا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ عِلَلٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَكَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالِاسْتِيلَاءِ لِلْمِلْكِ وَكَالرِّدَّةِ وَالْكُفْرِ الْمُفْضِي إلَى الْمُحَارَبَةِ وَالْبَغْيِ وَالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ لِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ.
فَلَا يَصْلُحُ شَرْطُ عَدَمِهِ - بِرَفْعِ الطَّاءِ - وَالشَّرْطُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ وَالضَّمِيرُ لِلْحُكْمِ أَيْ لَا يَصْلُحُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ لِصِحَّةِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً.
وَصَحَّحَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِنَصْبِ الطَّاءِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ فَلَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْعِلَّةِ شَرْطُ عَدَمِ الْحُكْمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ شَرْطًا لَهُ كَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مُنْحَصِرَةً يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَبِالْعَكْسِ وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ وَلَوْ كَانَ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلَ الصِّحَّةِ لَكَانَ الْوُجُودُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ بِالْوُجُودِ عِنْدَ الْعَدَمِ لَا يَبْقَى دَلِيلُ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ كَالْوُجُودِ عِنْدَ الْوُجُودِ عِنْدَكُمْ لَمَّا كَانَ دَلِيلُ الصِّحَّةِ كَانَ الْعَدَمُ عِنْدَ الْوُجُودِ دَلِيلَ الْفَسَادِ لِزَوَالِ دَلِيلِ الصِّحَّةِ بِهِ وَاتِّفَاقُ الْكُلِّ هَاهُنَا عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ بِعِلَلٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ الْعَدَمِ لَيْسَ دَلِيلَ الْفَسَادِ فَلَا يَصْلُحُ الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ دَلِيلَ الصِّحَّةِ ضَرُورَةً وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحُصُولِ الظَّنِّ، أَوْ الْعِلْمِ بِالدُّعَاءِ بِاسْمٍ مُغْضِبٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ حُصُولَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِكَوْنِ ذَلِكَ الِاسْمِ سَبَبَ الْغَضَبِ بِمُجَرَّدِ الدَّوَرَانِ فَإِنَّهُ لَوْلَا ظُهُورُ انْتِفَاءِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ بِبَحْثٍ أَوْ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ لَمْ يَظُنَّ وَالْبَحْثُ طَرِيقٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَيَقْوَى بِالدَّوَرَانِ.
وَذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ مُرْتَبِطَةٌ بِطَرِيقٍ عِلْمِيٍّ، أَوْ ظَنِّيٍّ يَسْتَنِدُ إلَى سَبَبٍ وَإِذَا خَلَا عَنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ يَكُونُ مُجَرَّدَ احْتِكَامٍ عَلَى الشَّرْعِ، وَالطَّرْدُ لَا يُفِيدُ عِلْمًا وَلَا ظَنًّا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي رَبَطَهُ بِهِ إثْبَاتًا لَوْ رَبَطَهُ بِهِ نَفْيًا لَمْ يَتَرَجَّحْ فِي مَسْلَكِ الظَّنِّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ قَدْ يَطَّرِدُ كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ وَلَوْ كَانَ الِاطِّرَادُ دَلِيلَ صِحَّةِ الْعِلَّةِ لَمْ يَقُمْ هَذَا الدَّلِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute