فَيَدْفَعُهُ بِتُرْسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَاَلَّذِي يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ أَنْ يَجْرَحَهُ ثُمَّ يُدَاوِيَهُ فَيَنْدَمِلَ، وَاَلَّذِي يَمْنَعُ لُزُومَهُ أَنْ يُصِيبَهُ فَيَمْرَضَ بِهِ وَيَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ ثُمَّ يَصِيرَ لَهُ كَطَبْعٍ خَامِسٍ فَيَأْمَنُ مِنْهُ غَالِبًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ ضَرَبَهُ الْفَالِجُ فَيَصِيرُ مَفْلُوجًا كَانَ مَرِيضًا فَإِنْ امْتَدَّ فَصَارَ طَبْعًا صَارَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ.
وَمِثَالُهُ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ الْبَيْعُ إذَا أُضِيفَ إلَى حُرٍّ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى مَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ مَنَعَ تَمَامَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ
ــ
[كشف الأسرار]
هَذَا الْقَائِلَ لَمَّا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَوَانِعِ ذَكَرَهُمَا تَتْمِيمًا لِلتَّقْسِيمِ لَا أَنَّهُ بَنَاهُمَا عَلَى التَّخْصِيصِ.
وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ هُوَ أَنْ يُصِيبَهُ أَيْ يُصِيبَ السَّهْمُ الْمُرْمَى. فَيَدْفَعُهُ أَيْ الْمُرْمَى السَّهْمَ بِتُرْسٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ دِرْعٍ أَوْ جَوْشَنٍ أَوْ قَبَاءٍ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ لَمَّا امْتَدَّ إلَيْهِ وَاتَّصَلَ بِهِ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ فَكَانَ مِنْ حُكْمِهِ الْجَرْحُ الَّذِي هُوَ قَتْلٌ، وَهَذَا الْمَانِعُ أَعْنِي التُّرْسَ وَنَحْوَهُ مِنْهُ أَصْلُ الْحُكْمِ. وَلَا يُقَالُ التُّرْسُ مَانِعٌ مِنْ الِاتِّصَالِ كَالْحَائِطِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا مِنْ قَبِيلِ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التُّرْسُ أَوْ الدِّرْعُ مُتَّصِلٌ بِالْمُرْمَى فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ بَدَنِهِ فَكَانَ اتِّصَالُ السَّهْمِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ اتِّصَالِهِ بِبَدَنِهِ بِخِلَافِ الْحَائِطِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ فَلَا يَكُونُ اتِّصَالُ السَّهْمِ بِالْحَائِطِ بِمَنْزِلَةِ اتِّصَالِ السَّهْمِ بِالْمُرْمَى فَكَانَ قِسْمًا آخَرَ. وَاَلَّذِي يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ أَنْ يَجْرَحَهُ أَيْ السَّهْمُ الْمُرْمَى ثُمَّ يُدَاوِيهِ أَيْ الْمُرْمَى الْجُرْحَ فَيَنْدَمِلُ فَالْمُدَاوَاةُ مَعَ الِانْدِمَالِ أَوْ الِانْدِمَالُ بِنَفْسِهِ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ إنَّمَا يُتِمُّ قَتْلًا إذَا سَرَى أَلَمُهُ إلَى الْمَوْتِ فَمَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ يَكُونُ مَانِعًا تَمَامَ حُكْمِ الْعِلَّةِ.
وَاَلَّذِي يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ أَنْ يُصِيبَ السَّهْمُ الْمُرْمَى فَيَمْرَضُ بِهِ وَيَصِيرُ صَاحِبَ فِرَاشٍ ثُمَّ يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَرَضُ وَالْجُرْحُ لَهُ كَطَبْعٍ خَامِسٍ أَيْ زَائِدٍ عَلَى الطِّبَاعِ الْأَرْبَعَةِ فَيَأْمَنُ أَيْ الْمُرْمَى الْمُصَابُ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فِي الْغَالِبِ أَيْ يَأْمَنُ الْمُصَابُ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ الْجُرْحُ إلَى الْهَلَاكِ، وَإِنْ لَمْ يَنْدَمِلْ.
فَصَيْرُورَتُهُ طَبْعًا خَامِسًا مَنَعَ لُزُومَ الْحُكْمِ أَيْ مَنَعَ الْجُرْحَ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا إذْ مَعْنَى لُزُومِهِ صَيْرُورَتُهُ قَتْلًا، وَهُوَ كَالِانْدِمَالِ فِي التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ زُهُوقِ الرُّوحِ كَالِانْدِمَالِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْإِمَامُ هَذَا الْقِسْمَ فِي أَقْسَامِ الْمَوَانِعِ. إلَّا أَنَّ الْجُرْحَ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الرَّمْيِ لَمَّا بَقِيَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ طَبْعًا فَلَمْ يَنْدَمِلْ لَمْ يَنْدَفِعْ الْحُكْمُ بِهَذَا الْمَانِعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا فِي الْعَاقِبَةِ، وَلَكِنَّ الدَّفْعَ بِصَيْرُورَتِهِ طَبْعًا إفْضَاؤُهُ إلَى الْقَتْلِ فِي الْحَالِ فَكَانَ مَانِعًا لُزُومَ الْحُكْمِ، وَفِي أَصْلِهِ لِبَقَائِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَبِالِانْدِمَالِ قَدْ انْدَفَعَ الْجُرْحُ الْحَاصِلُ بِالرَّمْيِ بِالْكُلِّيَّةِ فَكَانَ الِانْدِمَالُ أَقْوَى مَنْعًا لِلْحُكْمِ مِنْ صَيْرُورَةِ الْجُرْحِ طَبْعًا، وَلِذَلِكَ جَعَلَهُمَا الشَّيْخُ قِسْمَيْنِ. وَفِي الْجُمْلَةِ جَعْلُ صَيْرُورَتِهِ طَبْعًا مَانِعَةً مِنْ لُزُومِ الْحُكْمِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْحُكْمِ ثَابِتًا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمَانِعِ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْحُكْمِ إنْ كَانَ هُوَ الْقَتْلَ فَنَفْسُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا فِي الِانْدِمَالِ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ ثَابِتًا غَيْرَ لَازِمٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْجُرْحَ فَهُوَ لَازِمٌ بَعْدَمَا صَارَ طَبْعًا فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ كَوْنُهُ طَبْعًا مَانِعًا مِنْ اللُّزُومِ أَيْضًا وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ حُكْمَ الرَّمْيِ الْجُرْحُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُقَاوِمُهُ الْمُرْمَى فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ فَإِذَا انْدَمَلَ لَمْ يَتِمَّ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْمُرْمَى يَصْلُحُ مُقَاوِمًا لَهُ فَيَكُونُ الِانْدِمَالُ مَانِعًا تَمَامَ الْحُكْمِ، وَإِذَا لَمْ يَنْدَمِلْ وَصَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَقَدْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمُقَاوَمَةِ إلَّا أَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَزُولَ عَدَمُ الْمُقَاوَمَةِ بِالِانْدِمَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ لَازِمًا بِإِفْضَائِهِ إلَى الْقَتْلِ فَإِذَا صَارَ طَبْعًا فَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ إفْضَاءَهُ إلَى الْقَتْلِ فَكَانَ صَيْرُورَتُهُ طَبْعًا مَانِعَةً لُزُومَ الْحُكْمِ، وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ كَمَا تَرَى.
قَوْلُهُ (وَمِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ مَا تَحَقَّقَ مِنْهُ الْمَوَانِعُ الْخَمْسَةُ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ جَمِيعًا ثُمَّ إذَا أُضِيفَ إلَى حُرٍّ أَوْ مَيِّتَةٍ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ الِانْعِقَادِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ. وَإِذَا أُضِيفَ إلَى مَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ مَنَعَ يَعْنِي كَوْنَهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ تَمَامَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَصْلِ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِلْمَالِكِ فِيهِ.
وَالدَّلِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute