إنْ أَبْرَزَ مَانِعًا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ خُصَّ بِدَلِيلِ الِاحْتِمَالِ الْفَسَادَ بِخِلَافِ النُّصُوصِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَحْتَمِلُ فَسَادًا وَبُنِيَ عَلَى هَذَا تَقْسِيمُ الْمَوَانِعِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ حِسًّا وَحُكْمًا مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ، وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ، وَمَانِعٌ يَمْنَعُ حُكْمَ الْعِلَّةِ، وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ، وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ فِي الرَّامِي إذَا انْقَطَعَ وَتَرَاهُ أَوْ انْكَسَرَ فَوْقَ سَهْمِهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ عِلَّةً، وَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ حَائِطٌ مَنَعَ تَمَامَ الْعِلَّةِ حَتَّى لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَحَلِّ، وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ، وَهُوَ أَنْ يُصِيبَهُ
ــ
[كشف الأسرار]
وَأَمَّا الْفِقْهُ فَلِأَنَّ الْخَصْمَ أَيْ الْمُعَلِّلَ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ عِلَّةٌ فَلَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ مَا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ بِدُونِ ذَلِكَ الْحُكْمِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِفَسَادٍ فِي أَصْلِ عِلَّتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَنَاقُضًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِمَانِعٍ مَنَعَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِلَا شُبْهَةٍ ثُمَّ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ بِهِ فِي صُورَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِمَانِعٍ، وَهُوَ الْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ فِي الْعَقْدِ فَإِذَا ادَّعَى الْمُعَلِّلُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ صَارَ مَخْصُوصًا مِنْ عِلَّتَيْنِ لِمَانِعٍ فَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مُحْتَمَلًا فَيَكُونُ مُطَالَبًا بِالْحُجَّةِ. فَإِنْ أَبْرَزَ مَانِعًا صَالِحًا يُقْبَلُ بَيَانُهُ أَيْ بَيَانُ الْمُعَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ.
وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ أَيْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي جَعْلِ هَذَا الْوَصْفِ عِلَّةً حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْهُ عِلَّةً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. أَوْ ظَهَرَ أَنَّ وَصْفَهُ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِامْتِنَاعِ الْحُكْمِ عَنْهُ مَانِعٌ كَانَ مُوجِبًا وَغَيْرَ مُوجِبٍ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ.
، وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْعَدَمُ لِفَسَادِ الْعِلَّةِ وَلِلْمَانِعِ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُعَلِّلِ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ خُصَّ بِدَلِيلٍ لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ أَيْ لِاحْتِمَالِ تَعَيُّنِ جِهَةِ فَسَادِ الْعِلَّةِ بِأَنْ يَعْجِزَ عَنْ إبْرَازِ الْمَانِعِ أَصْلًا وَيُبَيِّنَ مَا لَا يَصْلُحُ مَانِعًا إذْ لَا بُدَّ لِلْمَانِعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ بِخِلَافِ النُّصُوصِ يَعْنِي إذَا تَمَسَّكَ فِي حَادِثَةٍ بِعُمُومِ نَصٍّ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْعَامِّ لَمْ يَثْبُتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْمُولٍ فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ خُصَّ مِنْ هَذَا الْعَامِّ بِدَلِيلٍ يُقْبَلُ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ الْفَسَادِ وَالْغَلَطِ بِوَجْهٍ فَلَا يَبْقَى لِعَدَمِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَجْهٌ إلَّا الْخُصُوصَ الَّذِي يَلِيقُ بِكَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إثْبَاتِهِ بِدَلِيلٍ. فَأَمَّا احْتِمَالُ الْفَسَادِ فِي الْعِلَّةِ فَقَائِمٌ فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ دَلِيلُ الْخُصُوصِ فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ عِلَّتِهِ لَا يَنْتَفِي جِهَةُ الْفَسَادِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ. وَلَا يُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَانِعٌ، وَلَا يُمْكِنُهُ إبْرَازُهُ فَلَا يَثْبُتُ فَسَادُ الْوَصْفِ بِالِاحْتِمَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ فِي التَّخَلُّفِ هُوَ التَّنَاقُضُ. قَوْلُهُ: (وَبَنَى) أَيْ مَنْ أَجَازَ التَّخْصِيصَ عَلَى هَذَا أَيْ عَلَى جَوَازِ التَّخْصِيصِ تَقْسِيمَ الْمَوَانِعِ أَيْ مَوَانِعِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ. وَهِيَ خَمْسَةٌ حِسًّا وَحُكْمًا أَيْ فِي الْحِسِّيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ عُرِفَ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ.
وَذَلِكَ أَيْ مَا قُلْنَا مِنْ الْمَوَانِعِ حِسًّا يَتَبَيَّنُ فِي الرَّمْيِ فَإِنَّهُ قَتَلَ أَوْ أَصَابَ وَيَلْزَمُ الرَّامِيَ أَحْكَامُ الْقَتْلِ وَالرَّمْيُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ إغْرَاقُ الْقَوْسِ بِالسَّهْمِ، وَإِرْسَالُهُ. فَالرَّامِي إذَا انْقَطَعَ وَتَرُهُ أَيْ وَتَرُ قَوْسِهِ أَوْ انْكَسَرَ فَوْقَ سَهْمِهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَتَرِ مِنْ السَّهْمِ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ انْعِقَادِ الرَّمْيِ عِلَّةً بَعْدَ تَمَامِ قَصْدِ الرَّامِي إلَى مُبَاشَرَةٍ حَتَّى أَنَّ شَيْئًا مِنْ حُكْمِ الرَّمْي لَا يَظْهَرُ مَعَ هَذَا الْمَانِعِ مِنْ مُضِيِّ السَّهْمِ أَوْ إصَابَتِهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ: وَإِذَا حَالَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ حَائِطٌ فِي مَسَافَةِ مُرُورِ السَّهْمِ يُعَارِضُ السَّهْمَ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الْمُرُورِ وَيَرُدُّهُ عَنْ سُنَنِهِ فَهُوَ مَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ انْعَقَدَ رَمْيًا لَكِنَّ الرَّمْيَ إنَّمَا يَصِيرُ قَتْلًا إذَا أَصَابَ الْمُرْمَى بِامْتِدَادِ السَّهْمِ إلَى الْمُرْمَى بِقُوَّتِهِ، وَهَذَا الْمَانِعُ مَنَعَ تَمَامَ الِامْتِدَادِ إلَيْهِ فَمَنَعَ تَمَامَ الْعِلَّةِ.
وَهَذَانِ لَيْسَا مِنْ أَقْسَامِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْصِيصِ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ لِمَانِعٍ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ، وَقَدْ عُدِمَتْ الْعِلَّةُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَصْلًا فَيَكُونُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِمَانِعٍ مَنَعَ وُجُودَ الْعِلَّةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ بِنَاؤُهُمَا عَلَيْهِ وَجَعْلُهُمَا مِنْ أَقْسَامِهِ إلَّا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute