للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُ قَوْلِنَا مَسْحٌ فِي وُضُوءٍ فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ لَا يَلْزَمُ الِاسْتِنْجَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْحٍ بَلْ إزَالَةٌ لِلنَّجَاسَةِ أَلَا تَرَى الْحَدَثَ إذَا لَمْ يُعْقِبْ أَثَرًا لَمْ يُسَنَّ مَسْحُهُ، وَهَذَا يُذْكَرُ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ــ

[كشف الأسرار]

بِالْمُنَاقَضَةِ فَلِأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ لَا تَرِدُ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ إذْ التَّأْثِيرُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ، وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّنَاقُضَ فَكَذَا التَّأْثِيرُ الثَّابِتُ بِهَا؛ لِأَنَّ فِي مُنَاقَضَتِهِ مُنَاقَضَةَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ. مِثَالُ ذَلِكَ مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ هَذِهِ شَهَادَةٌ تَمَكَّنَتْ فِيهَا تُهْمَةٌ فَلَا تُقْبَلُ كَشَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَبِالْعَكْسِ فَلَوْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ شَهَادَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ لِمَدْيُونِهِ أَوْ شَهَادَةَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مَعَ وُجُودِ التُّهْمَةِ فِي الْفَرْعِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ التُّهْمَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الْقَبُولِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِنَقِيضِهِ سَفَهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ لَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْمُجِيبِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ التُّهْمَةَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ فِيمَا ذَكَرَ السَّائِلُ، وَيَجِبُ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي الْفَرْعِ أَعْنِي شَهَادَةَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ لَا بِالنَّقْضِ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ. فَإِنْ قِيلَ الْعِلَلُ الْمُؤَثِّرَةُ تَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ تَحْتَمِلُ حَقِيقَةَ التَّعَارُضِ كَمَا لَا تَحْتَمِلُ حَقِيقَةَ التَّنَاقُضِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا بِالْمُنَاقَضَةِ كَمَا يَصِحُّ بِالْمُعَارَضَةِ (قُلْنَا) النُّصُوصُ قَدْ تَحْتَمِلُ لُزُومَ التَّعَارُضِ صُورَةً بِحَيْثُ يَجِبُ التَّهَاتُرُ وَيَرْجِعُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ لِجَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَكَذَا الْعِلَلُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْهَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَارَضَ لِجَهْلِنَا بِمَا هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ حَقِيقَةً فَأَمَّا النُّصُوصُ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّنَاقُضَ فَكَذَا الْعِلَلُ الثَّابِتَةُ بِهَا.

وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى مِنْهُ أَنَّ التَّنَاقُضَ يُبْطِلُ نَفْسَ الدَّلِيلِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَةُ الْجَهْلِ وَالسَّفَهِ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُمَا فَأَمَّا التَّعَارُضُ فَلَا يُبْطِلُ الدَّلِيلَ بَلْ يُقَرِّرُهُ وَيُؤَدِّي إلَى نِسْبَةِ الْجَهْلِ إلَيْنَا لَا إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَذَا قِيلَ. لَكِنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ إذَا تَصَوَّرَ مُنَاقَضَتَهُ أَيْ مُنَاقَضَةَ الصَّحِيحِ مِنْ الْعِلَلِ أَيْ إذَا وَقَعَ صُورَةُ نَقْضٍ فِي الْعِلَّةِ الصَّحِيحَةِ وَجَبَ تَخْرِيجُهُ أَيْ تَخْرِيجُ النَّقْضِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ مِنْ عَدَمِ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ وَصْفٍ أَوْ زِيَادَتِهِ. مِثْلُ قَوْلِنَا فِي مَسْأَلَةِ تَكْرَارِ الْمَسْحِ إنَّهُ مَسْحٌ مَشْرُوعٌ فِي الطَّهَارَةِ فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ نَقْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْحٍ بَلْ الْمَشْرُوعُ فِيهِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَقِّبْ أَثَرًا بِأَنْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ لَا يُسَنُّ مَسْحُهُ بَلْ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الرِّيحِ بِدْعَةٌ عَلَى مَا قِيلَ. وَبِدَلِيلِ أَنَّ غَسْلَ الْمَخْرَجِ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ، وَلَوْ كَانَ الْمَشْرُوعُ مَسْحًا لَكَانَ الْغَسْلُ بِدْعَةً كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَسْحِ الْخُفِّ.

ثُمَّ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ فَسَادِ دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ بِالْمُنَاقَضَةِ مُخْتَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَالشَّيْخَيْنِ، وَمُتَابِعِيهِمْ. وَمَذْهَبُ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ النَّقْضَ سُؤَالٌ صَحِيحٌ يَبْطُلُ بِهِ الْعِلَّةُ خُصُوصًا عِنْدَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ إذَا لَمْ يَجُزْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ مُبْطِلًا لِلْعِلَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّلَ مَتَى نَصَبَ عِلَّةً قَدْ الْتَزَمَ طَرْدَهَا، وَادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ مَتَى وُجِدَتْ فَالْحُكْمُ يَتْبَعُهَا فَإِذَا لَمْ يَفِ بِقَوْلِهِ وَوُجِدَ عَلَيْهِ مُنَاقَضَةٌ بَطَلَتْ عِلَّتُهُ لِعَدَمِ وَفَائِهِ لِدَعْوَاهُ وَتَصْحِيحِهِ مَا يَدَّعِيهِ ثُمَّ عَلَى الْمُعَلِّلِ الدَّفْعُ بِبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي جَعَلَهُ عِلَّةً فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَزِمَ النَّقْضُ وَبَطَلَتْ الْعِلَّةُ وَظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُؤَثِّرَةً. قُلْت فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الشَّيْخِ مَا ذَكَرَ أَنَّ سُؤَالَ الْمُنَاقَضَةِ فَاسِدٌ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَسَادَهُ بَعْدَمَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهَا بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِثَالِ فَأَمَّا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْخَصْمِ ظُهُورَ التَّأْثِيرِ فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ مُمَانِعَةٌ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ فِي التَّحْقِيقِ. وَنُقِلَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>