لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْدِيَةِ إلَى هَذَا الْفَرْعِ لَا يَمْنَعُ التَّعْلِيلَ بِعِلَّةٍ مُتَعَدِّيَةٍ فَلَمْ يَبْقَ لِدَعْوَاهُ اتِّصَالٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ وَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِي حُكْمِ الْفَرْعِ وَلَمْ يَصْنَعْ بِمَا قَالَ فِي الْفَرْعِ إلَّا إنْ أَرَانَا عَدَمَ الْعِلَّةِ، وَعَدَمُ الْعِلَّةِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عِنْدَ مُقَابَلَةِ الْعَدَمِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ فَلَأَنْ لَا يَصْلُحَ دَلِيلًا عِنْدَ مُقَابَلَةِ الْحُجَّةِ أَوْلَى.
ــ
[كشف الأسرار]
لَمَّا اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إنَّمَا أَنْتَ مُؤَدِّبٌ، وَلَا أَرَى عَلَيْك شَيْئًا، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّك، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ أَرَى أَنَّ عَلَيْك الْغُرَّةَ.
فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَبَّهَ فِعْلَهُ بِالْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا تُوجِبُ ضَمَانًا وَجَعَلَ الْجَامِعَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَشَبَّثَ بِالْفَرْقِ، وَأَبَانَ أَنَّ الْمُبَاحَاتِ الْمَضْبُوطَةَ النِّهَايَاتِ لَيْسَتْ كَالتَّعْزِيرَاتِ الَّتِي يَجِبُ الْوُقُوفُ فِيهَا دُونَ مَا يُؤَدِّي إلَى الْإِتْلَافِ، وَلَوْ تَتَبَّعْنَا مُعْظَمَ مَا خَاضَ فِيهِ الصَّحَابَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُفَرِّقُونَ وَيَجْمَعُونَ. ثُمَّ الْغَرَضُ مِنْ الْفَرْقِ لَيْسَ مُقَابَلَةَ عِلَّةِ الْأَصْلِ بِعِلَّةِ الْفَرْعِ بَلْ الْغَرَضُ بَيَانُ مُنَاقَضَةِ الْجَمْعِ، وَإِبْطَالُ فِقْهِهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِالطَّرْدِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَنْتَظِمُ بِفَرْعٍ، وَأَصْلٍ، وَمَعْنًى رَابِطٍ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرَائِطَ مَعْلُومَةٍ وَالْفَرْقُ مَعْنًى يَشْمَلُ ذِكْرَ أَصْلٍ، وَفَرْعٍ، وَهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْمَعْنَى فَكَانَ وُقُوعُهُ عَلَى نَقِيضِ غَرَضِ الْجَمْعِ وَيَظْهَرُ لَهُ فِقْهٌ يُشْعِرُ بِمُفَارَقَةِ الْفَرْعِ الْأَصْلَ عَلَى مُنَاقَضَةِ الْجَمْعِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ هَذَا اعْتِرَاضًا صَحِيحًا.
وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَى أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ فَاسِدٌ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْعِلَّةُ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَحَدُهَا أَنَّ السَّائِلَ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ فِي مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحُجَّةُ لَا فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَى فَإِذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَعْنًى آخَرَ انْتَصَبَ مُدَّعِيًا، وَلَمْ يَبْقَ سَائِلًا فَيَكُونُ تَجَاوُزًا عَنْ حَدِّهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. بِخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَهُ فِي الْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَائِلًا بَعْدُ حَيْثُ تَمَّ دَلِيلُ الْمُعَلِّلِ بَلْ يَكُونُ مُدَّعِيًا ابْتِدَاءً فَأَمَّا مَا دَامَ فِي مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ فَلَمْ يَسَعْ لَهُ الدَّعْوَى.
وَالثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ ثُمَّ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى بَعْضِ الْفُرُوعِ بِإِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَبِأَنْ عَدِمَ فِي الْفَرْعِ الْوَصْفَ الَّذِي يَدُومُ بِهِ السَّائِلُ الْفَرْقَ إنْ سَلِمَ لَهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ فِي الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُعَدِّيَ حُكْمَ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِالْوَصْفِ الَّذِي يَدَّعِيهِ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ فَلَمْ يَبْقَ لِدَعْوَى السَّائِلِ اتِّصَالٌ بِالْمَسْأَلَةِ إذْ كُلُّ سُؤَالٍ يُمْكِنُ لِلْمُعَلِّلِ الِاعْتِرَافُ بِهِ مَعَ الِاسْتِقْرَارِ عَلَى مُدَّعَاهُ كَانَ فَاسِدًا، وَلَا يَكُونُ قَدْحًا فِي كَلَامِ الْمُعَلِّلِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَبَثًا. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْخِلَافَ وَقَعَ فِي حُكْمِ الْفَرْعِ لَا فِي حُكْمِ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَصْنَعْ السَّائِلُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْفَرْقِ فِي الْفَرْعِ إلَّا أَنْ أَرَانَا عَدَمَ الْعِلَّةِ فِيهِ.
وَعَدَمُ الْعِلَّةِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ مُقَابَلَةِ الْعَدَمِ يَعْنِي إذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ آخَرُ يُوجِبُ وُجُودَ الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ عَلَّلَ، وَقَالَ الْحُكْمُ مَعْدُومٌ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُ مَعْدُومَةٌ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ فِي بَيَانِ فَسَادِ التَّعْلِيلِ بِالنَّفْيِ. فَلَأَنْ لَا يَصْلُحَ عَدَمُ الْعِلَّةِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ مُقَابَلَةِ الْحُجَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ كَانَ أَوْلَى.
قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ: الْمُفَارَقَةُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ مِنْ أَفْسَدِ الِاعْتِرَاضَاتِ إلَّا أَنْ يُذْكَرَ مَعْنًى فِي الْفَرْعِ يُفِيدُ خِلَافَ الْحُكْمِ الَّذِي أَفَادَهُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَأَسْنَدَهُ إلَى أَصْلٍ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُعَارَضَةً، وَلَمْ يَبْقَ فَرْقًا. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعِلَّةِ خُلُوَّهَا عَنْ الْمُعَارَضَةِ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الْمُعَارَضَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي حُكْمَيْنِ عَلَى التَّضَادِّ فَأَمَّا إذَا ذُكِرَتْ عِلَّتَانِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُعَارَضَةٍ. وَقَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْمُعَلِّلِ مَا لَمْ يُبْطِلْ كُلَّ مَا عَدَا عِلَّتَهُ بَاطِلٌ إذْ لَمْ يُكَلَّفْ الْمُعَلِّلُ سِوَى تَصْحِيحِ عِلَّتِهِ بِبَيَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute