أَمَّا الْقَلْبُ فَلَهُ مَعْنَيَانِ فِي اللُّغَةِ يَقُومُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَرْبٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ مَنْكُوسًا أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ أَعْلَاهُ
ــ
[كشف الأسرار]
الْإِبْطَالُ ثُمَّ هَذِهِ الْمُنَاقَضَةُ تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُعَارَضَةِ فَلَا تَمْنَعُ الْقَبُولَ إذْ الِاعْتِبَارُ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْمُتَضَمِّنِ دُونَ الْمُتَضَمَّنِ؛ وَلِأَنَّ الدَّلِيلَ بَعْدَ بَيَانِ التَّأْثِيرِ لِمَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا، وَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ مُشَبَّهٌ بِالْأَثَرِ، وَلَيْسَ بِأَثَرٍ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمُنَاقَضَةُ إنَّمَا تَمْتَنِعُ عَلَى مَا هُوَ مُؤَثِّرٌ حَقِيقَةً كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُقَابِلُهُ الْعَكْسُ أَيْ يُقَابِلُ الْقَلْبَ الْعَكْسُ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ يُذْكَرُ لِإِبْطَالِ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، وَالْعَكْسُ يُذْكَرُ لِتَصْحِيحِهِ وَلِهَذَا يَذْكُرُهُ الْمُعَلِّلُ دُونَ السَّائِلِ فَكَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ نَوْعَيْهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْعِلَّةِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي لَيْسَ بِعَكْسٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَلْبِ عَلَى مَا سَيَأْتِيك بَيَانُهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي التَّحْقِيقِ لَكِنْ الْقَلْبُ لَمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ ذُكِرَ الْعَكْسُ بِمُقَابَلَتِهِ أَيْضًا لَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ.
قَوْلُهُ (أَمَّا الْقَلْبُ فَلَهُ مَعْنَيَانِ فِي اللُّغَةِ) مَعْنَى الْقَلْبِ فِي اللُّغَةِ تَغْيِيرُ هَيْئَةِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ الْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَالْمَعْنَيَانِ الْمَذْكُورَانِ يَرْجِعَانِ إلَيْهِ وَبِالْمَعْنَيَيْنِ اُسْتُعْمِلَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ، وَيَرْجِعُ الْمَعْنَيَانِ فِيهِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَيْضًا، وَهُوَ تَغْيِيرُ التَّعْلِيلِ إلَى هَيْئَةٍ تُخَالِفُ الْهَيْئَةَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ أَيْ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لُغَةً فَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ مَنْكُوسًا أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ بِنَصْبِ اللَّامِ، وَأَسْفَلُهُ بِرَفْعِهَا أَعْلَاهُ كَقَلْبِ الْإِنَاءِ وَمِثَالُهُ أَيْ مِثَالُ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى التَّعْلِيلِ جَعْلُ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَالْعِلَّةِ مَعْلُولًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلٌ يَعْنِي فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ حَيْثُ يَفْتَقِرُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ إلَيْهَا، وَلَا يَفْتَقِرُ وُجُودُهَا إلَى الْحُكْمِ لِسَبْقِهَا عَلَيْهِ ذِهْنًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْعَامَّةِ وَزَمَانًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ.
وَالْحُكْمُ تَابِعٌ يَعْنِي فِي الْوُجُودِ حَيْثُ يَفْتَقِرُ وُجُودُهُ إلَيْهَا فَإِذَا قَلَبْته يَعْنِي التَّعْلِيلَ فَقَدْ جَعَلْته مَنْكُوسًا بِجَعْلِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مِنْ الْفَرْعِ تَابِعًا لَهُ وَجَعْلِ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ دُونَ الْأَصْلِ أَعْلَى مِنْهُ فَكَانَ هَذَا أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقَلْبِ مُعَارَضَةً أَيْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ أَيْ إبْطَالٌ لِتَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَعَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُعَارَضَةِ، وَهِيَ ذِكْرُ دَلِيلٍ يُوجِبُ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ لَمْ يُوجَدْ إذْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِتَعْلِيلِ الْقَالِبَ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ بِتَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ بِنَفْيٍ، وَلَا إثْبَاتٍ وَإِنَّمَا يَدُلُّ تَعْلِيلُهُ عَلَى فَسَادِ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ فَكَانَ هَذَا إبْطَالًا لَا مُعَارِضَةً لَكِنْ الشَّيْخُ اعْتَبَرَ صُورَةَ الْمُعَارَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَالَبَ عَارَضَ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِتَعْلِيلٍ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ فَقَالَ مَا جَعَلَهُ الْمُعَلِّلُ عِلَّةً لِمَا صَارَ حُكْمًا فِي الْأَصْلِ أَيْ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِتَعْلِيلِ الْقَالَبِ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ أَيْ احْتَمَلَ مَا جَعَلَهُ عِلَّةً صَيْرُورَتَهُ حُكْمًا فَسَدَ الْأَصْلُ أَيْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَقِيسًا عَلَيْهِ لِلْمُسْتَدِلِّ فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ فَبَقِيَ قِيَاسُهُ بِلَا مَقِيسٍ عَلَيْهِ فَبَطَلَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقَلْبِ فِيمَا إذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ بِالْحُكْمِ بِأَنْ جَعَلَ حُكْمًا فِي الْأَصْلِ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ فِيهِ ثُمَّ عَدَّاهُ إلَى الْفَرْعِ.
فَأَمَّا إذَا عُلِّلَ بِالْوَصْفِ الْمَحْضِ أَيْ بِالْمَعْنَى فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ هَذَا الْقَلْبُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَصِيرُ حُكْمًا بِوَجْهٍ، وَلَا يَصِيرُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عِلَّةً لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى الْحُكْمِ فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute