وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ الْخَالِصَةُ فَخَمْسَةُ أَنْوَاعٍ فِي الْفَرْعِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْأَصْلِ
ــ
[كشف الأسرار]
لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ لَمَّا كَانَ الشَّأْنُ كَمَا قُلْنَا إنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ لَا يُمْضَى فِي فَاسِدِهَا أَوْ لَمَّا كَانَ صَوْمُ النَّفْلِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ أَيْ فِي الصَّوْمِ النَّفَلُ عَمَلُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعُ كَمَا اسْتَوَى عَمَلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ يَعْنِي اسْتَوَى عَمَلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يُمْضَى فِي فَاسِدِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي التَّنَازُعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْضَى فِي فَاسِدِهِ أَيْضًا فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَهَذَا أَيْ هَذَا النَّوْعُ ضَعِيفٌ أَيْ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهِ الْقَلْبِ، وَيُسَمَّى هَذَا قَلْبَ التَّسْوِيَةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ صَحَّحَ الْقَلْبَ إلَى قَبُولِ هَذَا النَّوْعِ لِوُجُودِ حَدِّ الْقَلْبِ فِيهِ إذْ السَّائِلُ قَدْ جَعَلَ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ بَعْدَمَا كَانَ شَاهِدًا عَلَيْهِ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْحُكْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِمُخَالَفَةِ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ الشُّرُوعِ وَالنَّذْرِ لَوْ ثَبَتَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الشُّرُوعِ مُلْزِمًا كَالنَّذْرِ، وَهُوَ خِلَافُ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْكِتَابِ أَحَدُهَا أَنَّ السَّائِلَ جَاءَ بِحُكْمٍ آخَرَ لَيْسَ بِنَاقِضٍ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَمْ يَنْفِ التَّسْوِيَةَ لِيَكُونَ إثْبَاتُهَا مُنَاقِضًا لِمُدَّعَاهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ذَهَبَتْ الْمُنَاقَضَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ صِحَّةِ الْقَلْبِ فَلَمْ يَكُنْ دَفْعًا لِدَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ يَقُولُونَ لَيْسَ تَنَاقُضُ الْحُكْمَيْنِ ذَاتًا شَرْطًا لِصِحَّةِ الْقَلْبِ بَلْ انْتِفَاءُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ كَافٍ لِصِحَّتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الِاسْتِوَاءِ مُسْتَلْزِمٌ لِانْتِفَاءِ مُدَّعَى الْمُسْتَدِلِّ، وَفِي بَيَانِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ دُفِعَ هَذَا السُّؤَالُ، وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِانْتِفَاءِ الْمُنَاقَضَةِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ لَمْ يَكُنْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ مُعَارَضَةً صُورَةً، وَإِيرَادُهُ فِي هَذَا الْبَابِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَلِهَذَا كَانَ مُعَارَضَةً فَاسِدَةً.
وَالثَّانِي أَنَّ السَّائِلَ جَاءَ بِحُكْمٍ مُجْمَلٍ إذْ الِاسْتِوَاءُ يَحْتَمِلُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْإِلْزَامِ الْمُسَاوَاةَ فِي السُّقُوطِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْبَيَانُ إلَّا بِكَلَامٍ مُبْتَدَأٍ بِأَنْ يُثْبِتَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الشُّرُوعِ وَالنَّذْرِ فِي الْإِلْزَامِ وَلَيْسَ إلَى السَّائِلِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ مُجْمَلٌ لِمَا قُلْنَا وَالْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مُفَسِّرٌ وَالْمُجْمَلُ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْمُفَسَّرِ لِثُبُوتِ الِاحْتِمَالِ فِي الْمُجْمَلِ وَانْتِفَائِهِ عَنْ الْمُفَسَّرِ. وَالرَّابِعُ إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ مَعْنَاهُ فَإِنَّ مَا لَا مَعْنَى لَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَالسَّائِلُ، وَإِنْ عَلَّقَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ حُكْمَ الِاسْتِوَاءِ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ شَيْءٌ آخَرُ يَخْتَلِفُ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فَإِنَّ اسْتِوَاءَ النَّذْرِ وَالشُّرُوعَ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الْوُضُوءُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِلْزَامِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلنَّذْرِ، وَلَا لِلشُّرُوعِ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتِوَاؤُهَا فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ الصَّوْمُ النَّفَلُ بِاعْتِبَارِ الْإِلْزَامِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُبُوتٌ مِنْ وَجْهٍ سُقُوطٌ مِنْ وَجْهٍ.
وَالْمَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ عَلَى وَجْهِ التَّضَادِّ أَيْ التَّنَافِي وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ مُبْطِلٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ إبَانَةٌ مِثْلُ حُكْمِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَعَدَّى مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ حُكْمٌ لَا يُوجَدُ فِي الْأَصْلِ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحِلِّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّعْلِيلُ إذَا كَانَ الِاسْتِوَاءُ بِنَفْسِهِ مَقْصُودًا، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ الْخَافِضَةُ) أَيْ الْمُعَارَضَةُ الَّتِي خَلَصَتْ عَنْ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ وَالْإِبْطَالِ فَثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ، خَمْسَةٌ مِنْهَا تَتَحَقَّقُ فِي الْفَرْعِ، وَثَلَاثَةٌ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ اثْنَانِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْفَرْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute