وَأَمَّا الْمُعَارَضَاتُ فِي الْأَصْلِ فَثَلَاثَةٌ مُعَارَضَةٌ بِمَعْنًى لَا يَتَعَدَّى وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَلِفَسَادِهِ لَوْ أَفَادَ تَعْدِيَةً وَالثَّانِي أَنْ يَتَعَدَّى إلَى فَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي الْعِلَّةَ الْأُولَى، وَالثَّالِثُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى مَعْنًى مُخْتَلَفٍ فِيهِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَالْمَاءُ مَاؤُهُ، وَقَدْ وُجِدَ مَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، وَهُوَ الْفِرَاشُ الْفَاسِدُ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَيْ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ فِرَاشِ الْأَوَّلِ، وَقِيَامَ مِلْكِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ أَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ حَضْرَةِ الثَّانِي، وَكَوْنُهُ صَاحِبُ الْمَاءِ مَعَ فَسَادِ فِرَاشِهِ وَانْتِفَاءِ مِلْكِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ يُوجِبُ الشُّبْهَةَ، وَالصَّحِيحُ يُوجِبُ الْحَقِيقَةَ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الشُّبْهَةِ كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفِرَاشُ الصَّحِيحُ الَّذِي لِلْغَائِبِ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ النَّسَبِ لِلْأَوَّلِ، وَالْفِرَاشُ الْفَاسِدُ مَعَ قَرَائِنِهِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ مَثَلًا لِلصَّحِيحِ فَلَا يُنْسَخُ بِهِ حُكْمُ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُنْسَخُ إلَّا بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ وَبَعْدَمَا صَارَ النَّسَبُ مُسْتَحَقًّا لِزَيْدٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لِعَمْرٍو بِوَجْهٍ مَا.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمُعَارَضَاتُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَذْكُرَ السَّائِلُ عِلَّةً أُخْرَى فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ تُفْقَدُ هِيَ فِي الْفَرْعِ، وَيُسْنَدُ الْحُكْمُ إلَيْهَا مُعَارِضًا لِلْمُجِيبِ فِي عِلَّتِهِ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي يَدَّعِيهِ السَّائِلُ مُتَعَدِّيًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ لَا يُنَافِي الْوَصْفَ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُجِيبُ إذْ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِعِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ.
كَمَا لَوْ وَقَعَتْ فِي دَنٍّ قَطْرَةُ بَوْلٍ وَدَمٍ وَخَمْرٍ تَنَجَّسَ بِنَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ حَتَّى لَوْ تَوَهَّمْنَا زَوَالَ الْبَعْضِ يَبْقَى الْبَاقِي مُنَجَّسًا ثُمَّ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى بَيَانِ فَسَادِ أَنْوَاعِهَا مُفَصَّلَةً فَقَالَ: وَأَمَّا الْمُعَارَضَاتُ فِي الْأَصْلِ فَثَلَاثَةٌ أَيْ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُعَارَضَةٌ بِمَعْنًى لَا يَتَعَدَّى أَيْ بِذِكْرِ السَّائِلِ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ لَا يَتَعَدَّى إلَى فَرْعٍ كَمَا إذَا عَلَّلَ الْمُجِيبُ فِي بَيْعِ الْحَدِيدِ بِالْحَدِيدِ بِأَنَّهُ مَوْزُونٌ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُتَفَاضِلًا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيُعَارِضُهُ السَّائِلُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ الثَّمِينَةُ دُونَ الْوَزْنِ، وَأَنَّهَا عُدِمَتْ فِي الْفَرْعِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْحُرْمَةُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمُعَارَضَةِ بَاطِلٌ إذْ التَّعْلِيلُ بِمَعْنَى لَا يَتَعَدَّى بَاطِلٌ؛ لِعَدَمِ حُكْمِهِ، وَهُوَ التَّعْدِيَةُ فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ التَّعْلِيلِ لَيْسَ إلَّا التَّعْدِيَةَ فَإِذَا خَلَا تَعْلِيلٌ عَنْ التَّعْدِيَةِ بَطَلَ الْخَلْوَةُ عَنْ الْفَائِدَةِ إذْ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ دُونَ الْعِلَّةِ وَلَا فَرْعَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْعِلَّةِ، وَإِذَا بَطَلَ التَّعْلِيلُ بَطَلَتْ الْمُعَارَضَةُ بِهِ.
وَلِفَسَادِهِ لَوْ أَفَادَ تَعْدِيَةً يَعْنِي لَوْ عَارَضَ السَّائِلُ بِمَعْنًى يُفِيدُ تَعْدِيَةً كَانَتْ الْمُعَارَضَةُ فَاسِدَةً أَيْضًا سَوَاءٌ تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ أَوْ إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِعَدَمِ اتِّصَالِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ بِمَوْضِعِ النِّزَاعِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَنْعَدِمُ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ، وَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عِنْدَ عَدَمِ حُجَّةٍ أُخْرَى فَكَيْفَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عِنْدَ مُقَابَلَةِ حُجَّةٍ.
مِثَالُ التَّعْدِيَةِ إلَى فَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَا إذَا عَلَّلَ الْمُجِيبُ فِي حُرْمَةِ بَيْعِ الْجِصِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بِأَنَّهُ مَكِيلٌ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ بِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَيُعَارِضُهُ السَّائِلُ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ فِي الْأَصْلِ مَا ذَكَرْت، وَلَكِنَّهُ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ، وَقَدْ فُقِدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْفَرْعِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَعَدَّى إلَى فَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأُرْزُ وَالدُّخْنُ وَنَحْوُهُمَا إذْ لَا يُنَاقِشُ الْمُجِيبُ السَّائِلَ فِيهَا لَكِنْ الْمُعَارَضَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا تُفِيدُ لِلسَّائِلِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْجِصِّ، وَقَدْ قُلْنَا إنَّ عَدَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute