للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ ضَمَّ إلَى الْفَرْضِ أَمْثَالُهُ فَكَانَ تَثْلِيثًا وَزِيَادَةً فَإِنْ غَيَّرَ الْعِبَارَةَ فَقَالَ وَجَبَ أَنْ يُسَنَّ تَكْرَارُهُ لَمْ يُسَلَّمْ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مَسْنُونٍ وَلَكِنَّ الْمَسْنُونَ تَكْمِيلُهُ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَرْكَانِ وَتَكْمِيلُهُ بِإِطَالَتِهِ فِي مَحَلِّهِ إنْ أَمْكَنَ بِمَنْزِلَةِ إطَالَةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَكِنَّ الْفَرْضَ لَمَّا اسْتَغْرَقَ مَحَلَّهُ اُضْطُرِرْنَا إلَى التَّكْرَارِ خَلَفًا عَنْ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ هَا هُنَا مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ لِاتِّسَاعِ مَحَلِّهِ فَبَطَلَ الْخُلْفُ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْأُصُولِيِّينَ هُوَ تَسْلِيمُ مَا اتَّخَذَهُ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمًا لِدَلِيلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَسْلِيمُ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الْمُعَلِّلُ بِعِلَّتِهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَيُمْكِنُ لِلسَّائِلِ دَفْعُهُ بِالْتِزَامِ مُوجِبِهِ مَعَ بَقَاءِ مَقْصُودِهِ فِي الْحُكْمِ.

أَوْ أَثْبَتَ الْمُعَلِّلُ بِدَلِيلِهِ إبْطَالَ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَأْخَذُ الْخَصْمِ فَبِالْتِزَامِ السَّائِلِ مُوجِبَ دَلِيلِهِ مَعَ بَقَاءِ نِزَاعِهِ فِي الْحُكْمِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَأْخَذَهُ فَمَسْأَلَةُ التَّثْلِيثِ وَمَسْأَلَةُ التَّعْيِينِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْمَسَائِلُ الْبَاقِيَةُ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَأَكْثَرُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ يَتَحَقَّقُ فِي هَذَا الْقِسْمِ لِخَفَاءِ مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ لِكَثْرَتِهَا وَتَشَعُّبِهَا وَعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَمَدُ الْخَصْمِ مِنْ جُمْلَتِهَا بِخِلَافِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ الْأَحْكَامُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يَتَّفِقُ الذُّهُولُ عَنْهَا وَلِهَذَا يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ دُونَ مَعْرِفَةِ الْمُدَارِكِ وَأَنَّهُ أَيْ الْقَوْلَ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ يُلْجِئُ أَيْ يَضْطَرُّ أَصْحَابَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالْمَعَانِي الْفِقْهِيَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ يَعْنِي لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالطَّرْدِ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا أَعْرَضُوا عَنْهُ وَذَكَرُوا بَعْدُ فِي الْمُنَاظَرَةِ أَوْصَافًا مُؤَثِّرَةً وَمَعَانِيَ فِقْهِيَّةً لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَمَّا تَمَسَّكُوا بِاطِّرَادِ وَصْفٍ وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ اُضْطُرُّوا إلَى بَيَانِ التَّأْثِيرِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ لِيَصِيرَ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ.

وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ لَمَّا تَوَجَّهَ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ صَارَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ لِتَبَيُّنِ أَنَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الدَّلِيلِ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ بَيَانُ التَّأْثِيرِ لِلْوَصْفِ بَعْدَمَا صَارَ مُنْقَطِعًا فَكَانَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَذَلِكَ أَيْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ يَتَحَقَّقُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَمَا تَجَاوَزَهُ أَيْ تَجَاوَزَ الْمِقْدَارَ الْمَفْرُوضَ إلَى اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ وَلَكِنْ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَدَّى فِيهِ الْفَرْضُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَانِعٍ عَنْ التَّثْلِيثِ إذْ لَيْسَ مُقْتَضَى التَّثْلِيثِ اتِّحَادَ الْمَحَلِّ لِمَا ذُكِرَ وَإِذَا كَانَ أَيْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اتِّحَادَ الْمَحَلِّ لَيْسَ مُقْتَضَى التَّثْلِيثِ فَقَدْ ضَمَّ الْمَاسِحُ إلَى الْفَرْضِ أَمْثَالَهُ فَكَانَ هَذَا الضَّمُّ تَثْلِيثًا وَزِيَادَةً إذْ التَّثْلِيثُ ضَمُّ الْمِثْلَيْنِ إلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا ضَمُّ ثَلَاثَةِ أَمْثَالٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ غَيَّرَ أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْعِبَارَةَ بِطَرِيقِ الْعِنَايَةِ فَقَالَ: وَجَبَ أَنْ يُسَنَّ تَكْرَارُهُ أَيْ أَرَدْت بِالتَّثْلِيثِ التَّكْرَارَ الَّذِي هُوَ مُقْتَضًى لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ لَا مَحَالَةَ أَوْ بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ يَعْنِي هَذَا الْوَصْفُ كَمَا اقْتَضَى التَّثْلِيثَ اقْتَضَى التَّكْرَارَ أَيْضًا فَيَثْبُتُ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ لَمْ نُسَلِّمْ ذَلِكَ أَيْ سُنِّيَّةَ التَّكْرَارِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْغُسْلُ فَيَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْأَصْلِ مَسْنُونٌ قَصْدًا بَلْ الْمَسْنُونُ تَكْمِيلُهُ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَرْكَانِ وَتَكْمِيلُهُ أَيْ تَكْمِيلُ الْأَصْلِ أَوْ تَكْمِيلُ الرُّكْنِ أَوْ الْفَرْضِ بِإِطَالَتِهِ فِي مَحَلِّهِ بِمَنْزِلَةِ إطَالَةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا بِتَكْرَارِهِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ الَّذِي يُوجِبُهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَلَكِنَّهُ يَقْتَضِي الْكَمَالَ فَيَكُونُ فِي الْإِطَالَةِ امْتِثَالٌ بِهِ، لَكِنَّ الْفَرْضَ لَمَّا اسْتَغْرَقَ فِي الْغُسْلِ مَحَلَّهُ لَمْ يُمْكِنْ التَّكْمِيلُ بِالْإِطَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ إكْمَالًا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ اُضْطُرِرْنَا إلَى الْمَصِيرِ إلَى التَّكْرَارِ لِيَحْصُلَ التَّكْمِيلُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهِ فِي مَحَلِّهِ خَلَفًا عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ التَّكْمِيلُ بِالْإِطَالَةِ.

وَالْأَصْلُ هَاهُنَا مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ لِاتِّسَاعِ مَحَلِّهِ فَبَطَلَ الْخَلَفُ وَهُوَ التَّكْمِيلُ بِالتَّكْرَارِ وَقَوْلُهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بَدَلٌ مِنْ هَاهُنَا قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّكْمِيلُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِزِيَادَةٍ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يَكُونُ إكْمَالًا وَهَاهُنَا التَّكْمِيلُ بِهَذَا الطَّرِيقِ يُمْكِنُ مِنْ غَيْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>