للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظَهَرَ بِهَا فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ لَا أَثَرَ لِلرُّكْنِيَّةِ فِي التَّكْرَارِ أَصْلًا كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَا أَثَرَ لَهَا فِي التَّكْمِيلِ لَا مَحَالَةَ أَلَا يُرَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ يُشَارِكُهُ مَسْحُ الْخُفِّ فِي الِاسْتِيعَابِ سُنَّةً وَهُوَ رُخْصَةٌ وَكَذَلِكَ الْمَضْمَضَةُ فَأَمَّا الْمَسْحُ فَلَهُ أَثَرٌ فِي التَّخْفِيفِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى طُهْرٍ مَعْقُولٍ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْإِطَالَةُ فِيهِ سُنَّةً لَا التَّكْمِيلُ بِالتَّكْرَارِ أَلَا يُرَى أَنَّ التَّكْمِيلَ بِالتَّكْرَارِ رُبَّمَا يُلْحِقُهُ بِالْمَحْظُورِ وَهُوَ الْغُسْلُ فَكَيْفَ يَصْلُحُ تَكْمِيلًا وَأَمَّا الْغُسْلُ فَقَدْ شُرِعَ لِطُهْرٍ مَعْقُولٍ فَكَانَ التَّكْرَارُ تَكْمِيلًا وَلَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا فَقَدْ أَدَّى الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ إلَى الْمُمَانَعَةِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْمَسْحِ يَتَأَدَّى بِبَعْضِ الرَّأْسِ لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بَلْ الْفَرْضُ يَتَأَدَّى بِكُلِّهِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ رَخَّصَ فِي الْحَطِّ إلَى أَدْنَى الْمَقَادِيرِ وَذَلِكَ كَالْقِرَاءَةِ عِنْدَكُمْ وَإِنْ طَالَتْ كَانَتْ فَرْضًا وَقَدْ تَتَأَدَّى بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦] وَقَدْ يَتَنَافَى أَبْوَابُ حُرُوفِ الْمَعَانِي أَنَّ الِاسْتِيعَابَ غَيْرُ مُرَادٍ بِالنَّصِّ فَصَارَ الْبَعْضُ هُوَ الْمُرَادَ ابْتِدَاءً بِالنَّصِّ فَصَارَ أَصْلًا لَا رُخْصَةً فَصَارَ اسْتِيعَابُهُ تَكْمِيلًا لِلْفَرْضِ وَالْفَضْلُ عَلَى نِصَابِ التَّكْمِيلِ بِدْعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ فَقُلْنَا نَحْنُ بِمُوجِبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يُوجِبُ التَّعْيِينَ لَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ مَا يُعَيِّنُهُ فَيَكُونُ إطْلَاقُهُ تَعْيِينًا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إلَّا بِتَعَيُّنِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نُجَوِّزُهُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ عَلَى أَنَّهُ تَعْيِينٌ.

ــ

[كشف الأسرار]

مَاءٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالِاسْتِيعَابِ تَكْمِيلُ الطَّهَارَةِ الْمَطْلُوبَةِ بِالْمَسْحِ فَرْضًا بِمَاءٍ طَهُورٍ يَسْتَعْمِلُهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْمَسْحِ وَالْبَلَلُ طَهُورٌ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْعُضْوَ كَالْمَاءِ فِي الْغُسْلِ يَبْقَى طَهُورًا فِي آخِرِ الْعُضْوِ عَلَى حُكْمِ الِابْتِدَاءِ فَيَزْدَادُ بِالْأَمْدَادِ طَهَارَةً قَدْرَ الْفَرْضِ الَّذِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ بِطَهَارَةٍ مِثْلِهَا بِمَاءٍ مِثْلِ مَاءِ الْأَصْلِ فِي مَحَلٍّ مِثْلِ مَحَلِّ الْأَصْلِ فَيُلْحَقُ بِالْغُسْلِ إذَا ثُلِّثَ فَيُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِمَاءٍ طَهُورٍ كَمَا كُرِهَ فِي الْغُسْلِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَيَظْهَرُ بِهَذَا أَيْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَالْمُمَانَعَةِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ الْمُعَلِّلَ يُضْطَرُّ إلَى الرُّجُوعِ إلَى طَلَبِ التَّأْثِيرِ لِوَصْفِ الرُّكْنِيَّةِ فِي التَّكْرَارِ وَإِلَى التَّأَمُّلِ فِي وَصْفِ الْمَسْحِ الَّذِي هُوَ مُعْتَمَدُ خَصْمِهِ فَتَبَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ لَا أَثَرَ لِلرُّكْنِيَّةِ فِي التَّكْرَارِ أَصْلًا فَإِنَّ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ يُشْرَعْ التَّكْرَارُ فَرْضًا وَلَا سُنَّةً مَعَ قِيَامِ وَصْفِ الرُّكْنِيَّةِ وَلَا أَثَرَ لَهَا أَيْ لِلرُّكْنِيَّةِ فِي التَّكْمِيلِ لَا مَحَالَةَ يَعْنِي لَيْسَ التَّكْمِيلُ مُخْتَصًّا بِالرُّكْنِيَّةِ مَعَ كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً فِيهِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِيمَا هُوَ رُخْصَةٌ وَفِيمَا هُوَ سُنَّةٌ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ مُنْعَكِسًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ شَارَكَهُ مَسْحُ الْخُفِّ فِي الِاسْتِيعَابِ سُنَّةً يَعْنِي يُسَنُّ الِاسْتِيعَابُ فِي مَسْحِ الْخَلْفِ بِالْمُدِّ إلَيَّ السَّاقِ الَّتِي هِيَ مُنْتَهًى بِهَا مَحَلُّ الْغُسْلِ كَمَا يُسَنُّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ.

وَهُوَ أَيْ مَسْحُ الْخُفِّ رُخْصَةٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ جَازَ وَكَانَ أَفْضَلَ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَا يَتَأَدَّى الْوُضُوءُ بِدُونِهِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَسْحِ الْخُفِّ الْمَضْمَضَةُ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَقَدْ شُرِعَ التَّكْمِيلُ فِيهَا أَيْضًا بِالتَّكْرَارِ كَغُسْلِ الْوَجْهِ فَثَبَتَ أَنَّ وَظَائِفَ الْوُضُوءِ أَرْكَانُهَا وَرُخَصُهَا وَسُنَنُهَا سَوَاءٌ فِي مَعْنَى التَّكْمِيلِ لَا اخْتِصَاصَ لِلرُّكْنِيَّةِ بِهِ فَأَمَّا الْمَسْحُ فَقَدْ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي التَّخْفِيفِ وَثَبَتَ اخْتِصَاصُ التَّخْفِيفِ بِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ مُنْعَكِسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي لِطُهْرٍ مَعْقُولٍ يَعْنِي إنَّمَا كَانَ مُؤَثِّرًا فِي التَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُعْقَلُ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَحْصُلُ بِالْمَسْحِ أَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةٌ فِي الْمَحَلِّ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ الْمَسْحُ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُؤَدِّي لِطُهْرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ طَهَارَةً حُكْمِيَّةً لَا حَقِيقِيَّةً كَانَتْ الْإِطَالَةُ فِيهِ سُنَّةً لِيَزْدَادَ بِهَا طُهْرٌ حُكْمِيٌّ مِثْلُ الْأَوَّلِ مَعَ رِعَايَةِ صِفَةِ التَّخْفِيفِ.

لَا التَّكْمِيلِ بِالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ التَّكْمِيلَ بِهِ شُرِعَ فِيمَا عُقِلَ مَعْنَى التَّطْهِيرِ فِيهِ وَهُوَ التَّطْهِيرُ بِتَسْيِيلِ الْمَاءِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ كَمَا فِي غُسْلِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَهَذَا كُلُّهُ أَيْ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِيعَابَ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ وَأَنَّ إكْمَالَ الْمَسْحِ بِطَرِيقِ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِالْإِطَالَةِ دُونَ التَّكْرَارِ بِنَاءً عَلَى كَذَا يَتَأَدَّى بِبَعْضِ الرَّأْسِ لَا مَحَالَةَ أَيْ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ اسْتَوْعَبَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْضِ.

وَذَلِكَ أَيْ التَّأَدِّي بِالْبَعْضِ بِكُلِّ حَالٍ وَذَلِكَ أَيْ تَأَدِّي الْفَرْضِ بِالْكُلِّ وَالْحَطُّ إلَى الْأَدْنَى بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ مِثْلُ الْقُرَاةِ عِنْدَكُمْ فَإِنَّهَا وَإِنْ طَالَتْ كَانَتْ فَرْضًا مَعَ أَنَّ فَرْضَهَا يَتَأَدَّى بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَيْ عَمَّا ذَكَرُوا أَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِالْكُلِّ وَالْحَطُّ إلَى الْأَدْنَى رُخْصَةٌ فَصَارَ الْبَعْضُ هُوَ الْمُرَادُ ابْتَدَأَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ النَّصِّ الْمُوجِبِ لِلْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي تَبْعِيضًا بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ مُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ فَيَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِمُطْلَقِ مَا يُسَمَّى قِرَاءَةً وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ دَاخِلَانِ تَحْتَ الْمُطْلَقِ فَلِذَلِكَ يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِالْكَثِيرِ كَمَا يَتَأَدَّى بِالْقَلِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>