للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بَاشَرَ نَفْلَ قُرْبَةٍ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدٍ فَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ كَمَا قِيلَ فِي الْوُضُوءِ فَقُلْنَا لَهُمْ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا بِالْإِفْسَادِ حَتَّى أَنَّهُ يَجِبُ إذَا فَسَدَ لَا بِاخْتِيَارِهِ بِأَنْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ فِي النَّفْلِ مَاءً لَكِنَّهُ بِالشُّرُوعِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَفَوَاتُ الْمَضْمُونِ فِي ضَمَانِهِ يُوجِبُ الْمِثْلَ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ بِالشُّرُوعِ وَلَا بِالْإِفْسَادِ قُلْنَا: عِنْدَنَا الْقُرْبَةُ بِهَذَا الْوَصْفِ لَا تُضْمَنُ وَإِنَّمَا تُضْمَنُ بِوَصْفٍ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ الْعَبْدُ مَالٌ فَلَا يَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِالْقَتْلِ كَالدَّابَّةِ عِنْدَنَا لَا يَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِهَذَا الْوَصْفِ بَلْ بِوَصْفِ الْآدَمِيَّةِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَوْجُودَ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ حَسَنًا وَبِبَعْضِ صِفَاتِهِ رَدِيًّا فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقُرْبَةُ مَضْمُونَةً بِوَصْفٍ خَاصٍّ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ بِسَائِرِ الْأَوْصَافِ.

ــ

[كشف الأسرار]

وَالْفَضْلُ عَلَى نِصَابِ التَّكْمِيلِ بِدْعَةٌ كَالْفَضْلِ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الْغُسْلِ وَالْفَضْلُ عَلَى الِاسْتِيعَابِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ يُوجِبُ التَّعْيِينَ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْوَصْفِ وَاجِبٌ كَتَحْصِيلِ الْأَصْلِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ لِتَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِالتَّعْيِينِ.

، لَكِنَّهُ وَإِنْ أَوْجَبَ التَّعْيِينَ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ مَا يُعَيِّنُهُ وَقَدْ وُجِدَ الْمُعَيِّنُ وَهُوَ انْفِرَادُهُ بِالشَّرْعِيَّةِ وَعَدَمُ الْمُزَاحِمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْرَعْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ صَوْمًا سِوَى صَوْمِ الْفَرْضِ فَيَكُونُ مُتَعَيِّنًا بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَإِذَا أَطْلَقَ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ الْمَشْرُوعَ فِيهِ وَثَمَّةَ يَجُوزُ بِدُونِ التَّعْيِينِ فَكَذَا هَاهُنَا يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الِاسْمِ إلَيْهِ فَيَكُونُ إطْلَاقُهُ تَعْيِينًا أَيْ إصَابَةً لِلْمَشْرُوعِ الْمُعَيَّنِ وَلِأَنَّهُ أَيْ صَوْمَ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ مِنْ الْعَبْدِ ابْتِدَاءً كَمَا قُلْتُمْ، وَلَكِنَّ التَّعْيِينَ قَدْ وُجِدَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النِّيَّةِ مِنْهُ تَعْيِينٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا أَنَّ التَّعْيِينَ سَاقِطٌ عَنْهُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ النُّكْتَتَيْنِ أَنَّ النُّكْتَةَ الْأُولَى تُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّعْيِينَ سَاقِطٌ عَنْ الْعَبْدِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ وَالنُّكْتَةُ الثَّانِيَةُ تُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّعْيِينَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَلَكِنَّ إطْلَاقَ النِّيَّةِ مِنْهُ تَعْيِينٌ فَكَانَ التَّعْيِينُ مُضَافًا إلَى الْعَبْدِ فَفِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّمَا أَمْكَنَ لِلسَّائِلِ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِمَا وَهُوَ التَّثْلِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالتَّعْيِينُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ الِاسْتِيعَابَ تَثْلِيثٌ وَأَنَّ الْإِطْلَاقَ تَعْيِينٌ قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوْ صَوْمِ النَّفْلِ غَيْرُ مُلْزِمٍ بَاشَرَ نَفْلَ قُرْبَةٍ إلَى آخِرِهِ.

حَتَّى إنَّهُ أَيْ الْقَضَاءَ يَجِبُ إذَا فَسَدَ لَا بِاخْتِيَارِهِ بِأَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ بِالتَّيَمُّمِ نَاسِيًا الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ أَيْ تَذَكَّرَهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ النَّفْلِ فَصَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ فِي النَّوْمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِفْسَادُ وَلَمَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ كَمَا وَجَبَ بِالْإِفْسَادِ عُلِمَ أَنَّهُ مُضَافٌ إلَى مَعْنًى آخَرَ شَامِلٍ لَهُمَا وَهُوَ الشُّرُوعُ الَّذِي يَصِيرُ الْأَدَاءُ بِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَفَوَاتُ الْمَضْمُونِ مُوجِبٌ لِلْمِثْلِ فَإِنْ قِيلَ: أَيْ غَيْرُ الْمُعَلَّلِ الْعِبَارَةُ فَقَالَ: بَاشَرَ نَفْلَ قُرْبَةٍ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ بِالشُّرُوعِ وَلَا بِالْإِفْسَادِ كَالْوُضُوءِ.

قُلْنَا كَذَا يَعْنِي نَلْتَزِمُ هَذَا الْمُوجِبَ أَيْضًا وَنَقُولُ لَا تُضْمَنُ الْقُرْبَةُ بِالشُّرُوعِ الْمُضَافِ إلَى عِبَادَةٍ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا وَإِنَّمَا تُضْمَنُ بِالشُّرُوعِ فِي عِبَادَةٍ تُلْتَزَمُ بِالنُّذُورِ وَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى هَذَا الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ إنَّمَا يُذْكَرُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ وَمَا ذُكِرَ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْوُجُوبِ فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى وَصْفٍ يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْوُجُوبِ وَهُوَ أَنَّهُ مِمَّا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ وَعَدَمُ اللُّزُومِ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَمْتَنِعُ اللُّزُومُ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَإِذَا آلَ الْكَلَامُ إلَى مَا قُلْنَا يُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ النَّذْرِ فِي كَوْنِهِ مُلْزِمًا فَيَظْهَرُ بِهِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَذَلِكَ أَيْ قَوْلُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّهُ بَاشَرَ نَفْلَ قُرْبَةٍ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي الْعَبْدِ إلَى آخِرِهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ خَطَأً يَجِب عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ وَلَا تُزَادُ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ وَتُنْقَصُ مِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمْ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ قَالُوا: الْعَبْدُ مَالٌ فَلَا يَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِالْقَتْلِ كَالدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا.

وَقُلْنَا: لَا يَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِهَذَا الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ وَصْفٍ آخَرَ يَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِهِ وَهُوَ وَصْفُ الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِهَذَا الْوَصْفِ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ هُوَ مَبْقِيّ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُقَدَّرُ بَدَلُهُ بِهَذَا الْوَصْفِ كَدِيَةِ الْحُرِّ لَا بِوَصْفِ الْمَالِيَّةِ وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>