للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَسْلَمَ مَذْرُوعًا فِي مَذْرُوعٍ فَجَازَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا الْوَصْفِ لَا يَفْسُدُ عِنْدَنَا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْفَسَادِ بِدَلِيلِهِ كَمَا إذَا قُرِنَ بِهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْمُخْتَلِعَةِ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةُ النِّكَاحِ فَلَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ كَمُنْقَضِيَةِ الْعِدَّةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْحَقُهَا بِهَذَا الْوَصْفِ بَلْ بِوَصْفِ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ تَحْرِيرٌ فِي تَكْفِيرٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّكْفِيرُ إلَّا بِإِيمَانِ الْمُحَرَّرِ وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا الْوَصْفُ يُوجِبُ الْإِيمَانَ عِنْدَنَا لَكِنَّ قِيَامَ الْمُوجِبِ لَا يَمْنَعُ مُعَارَضَةَ مَا يُسْقِطُهُ وَهُوَ إطْلَاقُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ كَالدَّيْنِ يَسْقُطُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي السَّرِقَةِ إنَّهَا أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا تَدَيُّنٍ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ قُلْنَا: نَحْنُ نَقُولُ بِهِ لَكِنْ لَا يَمْنَعُ اعْتِرَاضَ مَا يُسْقِطُهُ كَالْإِبْرَاءِ فَكَذَلِكَ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ.

ــ

[كشف الأسرار]

تَنْقِيصُ دِيَتِهِ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ بِعَشْرَةٍ فَسَيَأْتِيك بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْعَوَارِضِ.

وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ أَيْ الْتِزَامُ السَّائِلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ مِنْ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِثْبَاتُ مَقْصُودِهِ بِوَصْفٍ آخَرَ طَرِيقٌ حَسَنٌ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ حَسَنًا وَبِبَعْضِ صِفَاتِهِ رَدِيًّا أَيْ قَبِيحًا مَعَ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ مُتَضَادَّانِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَالْمَشْرُوعَاتِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ بِاعْتِبَارِ حُسْنِ وَجْهِهِ وَبِالْقُبْحِ بِاعْتِبَارِ قِصَرِ قَامَتِهِ وَقَتْلُ الْجَانِي حَسَنٌ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ قَبِيحٌ بِاعْتِبَارِ تَخْرِيبِ بُنْيَانِ الرَّبِّ وَكَذَا الصَّوْمُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَالصَّلَاةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا وَكَذَا الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا أَمَرَهُ أَحَدُهُمَا بِفِعْلٍ وَنَهَاهُ الْآخَرُ عَنْ عَيْنِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَانَ إقْدَامُهُ عَلَيْهِ وَانْتِهَاؤُهُ عَنْهُ حَسَنًا مِنْ وَجْهٍ قَبِيحًا مِنْ وَجْهٍ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْبَةُ مَضْمُونَةً بِوَصْفٍ خَاصٍّ وَهُوَ أَنَّهُ تُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ بِسَائِرِ الْأَوْصَافِ وَهِيَ كَوْنُهَا قُرْبَةً وَكَوْنُهَا مِمَّا لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا وَكَوْنُهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ بِالْأَمْرِ وَنَحْوُهَا قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا قِيلَ فِيهِ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ قَوْلُهُمْ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ مَذْرُوعًا فِي جِنْسِهِ بِأَنْ أَسْلَمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ أَسْلَمَ مَذْرُوعًا فِي مَذْرُوعٍ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا أَسْلَمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٍّ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ بِهَذَا الْوَصْفِ وَهُوَ أَنَّ هَذَا إسْلَامُ مَذْرُوعٍ فِي مَذْرُوعٍ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ عِنْدَنَا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْفَسَادِ بِمَعْنًى آخَرَ مُوجِبٍ لِلْفَسَادِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ قُرِنَ بِهَذَا الْعَقْدِ شَرْطٌ فَاسِدٌ بِأَنْ أَسْلَمَ بِذِرَاعِ رَجُلٍ عَيْنَهُ كَانَ فَاسِدًا بِالِاتِّفَاقِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْوَصْفِ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْسُدَ بِمَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا فَتَصْلُحُ مُحَرِّمَةً لِلنَّسِيئَةِ كَالْوَصْفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْكَيْلُ فَإِنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا مِنْ وُجُودِ أَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا كَذَا هَاهُنَا فَحِينَئِذٍ يُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ إلَى بَيَانِ أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ لَا تَصْلُحُ عِلَّةً لِفَسَادِ هَذَا الْعَقْدِ بِهَا إنْ أَمْكَنَهُ.

وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُمْ فِي الْمُخْتَلِعَةِ إلَى آخِرِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَيْ بِمُوجِبِ هَذَا التَّعْلِيلِ فَإِنَّ عِنْدَنَا لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ بِوَصْفِ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةُ النِّكَاحِ وَلَكِنْ بِوَصْفِ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْعِدَّةَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَبِبَقَائِهَا يَبْقَى مِلْكٌ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حَتَّى كَانَ لَهُ وِلَايَةُ مَنْعِهَا عَنْ الْخُرُوجِ فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ بِهَذَا الْوَصْفِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ نِكَاحٌ صَحِيحٌ عَنْ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا فِي حَالِ عَدَمِ الْمُتَارَكَةِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ فَفِي حَالِ الْمُتَارَكَةِ الَّتِي هِيَ حَالَةُ الْعِدَّةِ أَوْلَى وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ فِي رَقَبَةِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ تَحْرِيرٌ فِي تَكْفِيرٌ.

وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُهُ تَحْرِيرًا فِي تَكْفِيرٍ يُوجِبُ اشْتِرَاطَ إيمَانِ الْمُحَرَّرِ كَمَا قُلْتُمْ، لَكِنَّ قِيَامَ الْمُوجِبِ لِاشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ مُعَارَضَةَ مَا يُسْقِطُ اشْتِرَاطَهُ وَهُوَ إطْلَاقُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِقَوْلِهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] كَالدَّيْنِ يُسْقِطُ يَعْنِي قِيَامُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ يُوجِبُ الْأَدَاءَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ مَا يُسْقِطُهُ كَمَا إذَا أَبْرَأَ صَاحِبُ الْحَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَنْ حَقِّهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَصَلَ الِامْتِثَالُ بِالْأَمْرِ بِإِعْتَاقِ الْكَافِرَةِ كَمَا حَصَلَ بِإِعْتَاقِ الْمُؤْمِنَةِ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ فَيُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الِامْتِثَالَ لَا يَحْصُلُ بِتَحْرِيرِ الْكَافِرَةِ كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>