للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثْلُهُ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِمْ ثَيِّبٌ تُرْجَى مَشُورَتُهَا فَلَا تُنْكَحُ كُرْهًا يُقَالُ لَهُ مَا مَعْنَى الْكُرْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ رَأْيِهَا فَيُقَالُ فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الرَّأْيِ غَيْرُ مَانِعٍ لَكِنَّ الرَّأْيَ الْقَائِمَ الْمُعْتَبَرَ مَانِعٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ رَأْيٌ مُعْتَبَرٌ.

ــ

[كشف الأسرار]

أُرِيدُ بِوُجُوبِ التَّعْيِينِ وُجُوبَهُ قَبْلَ تَعَيُّنِ الصَّوْمِ.

لَمْ يَجِدْهُ أَيْ لَمْ يُمْكِنْهُ إيجَابُهُ قَبْلَ التَّعَيُّنِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ حَاصِلٌ فِيهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إذْ الْمَشْرُوعُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَيْسَ إلَّا صَوْمُ الْوَقْتِ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْضًا أَيْ صَحَّتْ مُمَانَعَةُ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّعْيِينِ فِي الْفَرْعِ كَمَا صَحَّتْ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي إلَى هَذَا أَيْ إلَى بَيَانِ أَنَّ التَّعْيِينَ وَجَبَ قَبْلَ التَّعْيِينِ أَوْ بَعْدَهُ بَلْ التَّعْيِينُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّهُ قَبْلَ التَّعَيُّنِ أَوْ بَعْدَهُ قُلْنَا لَهُ كَذَا نَعْنِي بِدَفْعِهِ حِينَئِذٍ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ فَنَقُولُ: لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَهُ أَيْ إطْلَاقَ النِّيَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْعَزْمِ تَعْيِينٌ لِلصَّوْمِ أَوْ إطْلَاقُ الصَّائِمِ النِّيَّةَ تَعْيِينٌ فَيُضْطَرُّ إلَى الرُّجُوعِ إلَى حَرْفِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ هَلْ يَسْقُطُ اشْتِرَاطُهُ بِكَوْنِ الْمَشْرُوعِ مُتَعَيِّنًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَمْ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ أَنَّهُ أَيْ هَذَا الْبَيْعَ كَذَا يُقَالُ لَهُ أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ أَيْ يَثْبُتُ بِهَذَا الْبَيْعِ حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ أَوْ مُوَقَّتَةٌ أَيْ مُغَيَّاةٌ إلَى غَايَةِ وُجُودِ التَّسَاوِي.

فَإِنْ قَالَ: مُوَقَّتَةٌ أَيْ يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةٌ مُوَقَّتَةٌ لَمْ نَجِدْهَا فِي الْفَرْعِ وَهُوَ بَيْعُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ لِعَدَمِ الْمُخَلِّصِ إذْ لَيْسَ لِلتُّفَّاحَةِ حَالَةُ مُسَاوَاةٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهَا عِنْدَ الْخَصْمِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْكَيْلِ فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ قَالَ: يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ لَمْ نَجِدْهَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ بَيْعُ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ فَيَكُونُ مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُتَنَاهِيَةٌ مُوَقَّتَةٌ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَدْرِ فَإِنَّ الْبَدَلَيْنِ إذَا كُيِّلَا وَلَمْ يَظْهَرْ فَضْلٌ فِي أَحَدِهِمَا يَعُودُ الْعَقْدُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَنَا لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُفْسِدِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْ مُمَانَعَةُ الْحُكْمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.

فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ أَوْ مُوَقَّتَةٌ لَا نُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُوَقَّتَةَ إلَى غَايَةٍ غَيْرُ الْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْحُكْمُ الَّذِي يَقَعُ التَّعْلِيلُ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُتَّحِدًا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَيَظْهَرُ حِينَئِذٍ حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ حُرْمَةُ نُزُولٍ بِالْمُسَاوَاةِ كَيْلًا لَا حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلْمُفَاضَلَةِ الْحُرْمَةُ وَالْمُسَاوَاةُ فَلَا تُنْكَحُ كُرْهًا يَعْنِي قِيَاسًا عَلَى الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ يُقَالُ لَهُ: مَا مَعْنَى الْكُرْهِ أَيْ مَا تَعْنِي بِقَوْلِك لَا تُنْكَحُ كُرْهًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ: أُرِيدُ أَنَّهَا لَا تُنْكَحُ بِدُونِ رَأْيِهَا إذْ لَيْسَ هُنَاكَ إكْرَاهُ تَخْوِيفٍ.

فَيُقَالُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْبَالِغَةُ عَدَمُ رَأْيِهَا غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ صِحَّةِ التَّزْوِيجِ وَنُفُوذِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، لَكِنَّ الرَّأْيَ الْقَائِمَ الْمُعْتَبَرَ مَانِعٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ رَأْيٌ مُعْتَبَرٌ فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ.

وَتَبَيَّنَ بِهِ حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ هُوَ الصِّغَرُ عِنْدَنَا دُونَ الْبَكَارَةِ وَعِنْدَهُ عَلَى الْعَكْسِ وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمَضَارِّ وَضْعًا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَسَلْبُ مُوجِبِ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ إرْقَاقٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا صِينَتْ الْأُمُّ عَنْ نِكَاحِ الِابْنِ وَالْمُسْلِمَةُ عَنْ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَإِنَّمَا تُحْمَلُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ حَاجَتِهَا إلَى اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ كَمَا يُتَحَمَّلُ قَطْعُ الْيَدِ عِنْدَ وُقُوعِ الْأَكْلَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِدَلِيلٍ قَامَ لَنَا عَلَى أَنَّ إجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ جَائِزٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوْقِيفِ عَلَى حَالِ الْبُلُوغِ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُهَا بَعْدَهُ وَفِي حَقِّ الثَّيِّبِ التَّوَقُّفُ مُفِيدٌ فَيُؤَخَّرُ إلَى حَالِ الْبُلُوغِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْإِذْنِ عَلَيْهَا وَعِنْدَنَا النِّكَاحُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَضْعًا فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّهُ لِتَحْصِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>