للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي قَدْرِ الْوَظِيفَةِ وَفِي نَفْسِ الْفِعْلِ وَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي النِّيَّةِ انْتَقَضَ ذَلِكَ بِغَسْلِ الثَّوْبِ وَغَسْلِ الْبَدَنِ عَنْ النَّجَاسَةِ فَيُضْطَرُّ إلَى بَيَانِ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ بِالْعَيْنِ نَجَاسَةٌ فَكَانَ كَالتَّيَمُّمِ فِي شَرْطِ النِّيَّةِ لِتَحْقِيقِ التَّعَبُّدِ بِخِلَافِ غَسْلِ النَّجَسِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ عَامِلٌ بِطَبْعِهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ غَسْلَ كُلِّ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْحَدَثِ وَإِنَّمَا الْبَدَنُ مَوْصُوفٌ فَوَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ.

ــ

[كشف الأسرار]

هُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ أَيْ فَلَا تَفْتَرِقَانِ وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا يَعْنِي أَنَّهُ أَنْكَرَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحُكْمَ فَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ بَاطِلًا بِلَا شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ وَالْوُضُوءَ قَدْ افْتَرَقَا فِي عَدَدِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يُؤَدَّى فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَالْأُخْرَى يُؤَدَّى فِي عُضْوَيْنِ.

وَفِي قَدْرِ الْوَظِيفَةِ حَتَّى سُنَّ التَّكْرَارُ إلَى الثَّلَاثِ فِي الْوُضُوءِ وَكُرِهَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ وَظِيفَةَ الْوُضُوءِ الِاسْتِيعَابُ بِالْمَاءِ وَالِاسْتِيعَابُ بِالتُّرَابِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّيَمُّمِ بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِيعَابِ بِمَسْحٍ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا بَلْ مَسْحُ الْأَكْثَرِ كَافٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْزَامِ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ فَإِنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّيَمُّمُ إلَى الرُّسْغِ فِي قَوْلِهِ التَّقْوِيمُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ وَفِي نَفْسِ الْفِعْلِ يَعْنِي الْفِعْلُ وَاجِبٌ فِي أَحَدِهِمَا مَسْحٌ وَهُوَ الْإِصَابَةُ وَفِي الْآخَرِ غَسْلٌ وَهُوَ الْإِسَالَةُ وَهُمَا مُفْتَرَقَانِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفِعْلَ فِي أَحَدِهِمَا تَلْوِيثٌ حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ تَطْهِيرٌ وَتَنْظِيفٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الْفِعْلِ فِي التَّيَمُّمِ شَرْطٌ دُونَ الْوُضُوءِ حَتَّى لَوْ قَامَ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ أَوْ مَوْضِعِ هَدْمِ حَائِطٍ فَأَصَابَ الْغُبَارُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ أَوْ ذَرَّ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ تُرَابًا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ التَّيَمُّمِ حَتَّى يَمْسَحَ وَيَنْوِيَ التَّيَمُّمَ وَلَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ وَأَصَابَهُ مَطَرٌ وَسَالَ عَلَى أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ يَصِيرُ مُتَوَضِّئًا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ.

وَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي النِّيَّةِ أَيْ قَيَّدَ الِاسْتِوَاءَ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ انْتَفَضَ ذَلِكَ بِغَسْلِ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ فَيُضْطَرُّ الْمُجِيبُ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى بَيَانِ التَّأْثِيرِ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ النَّقْضُ وَيَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ أَيْ تَعَبُّدِيٌّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي الْعَيْنِ أَيْ مَحَلِّ وُجُوبِ الْغُسْلِ نَجَاسَةٌ تَزُولُ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ مُحْدِثٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَالْمَحَلُّ الَّذِي قَامَ بِهِ النَّجَاسَةُ وَهُوَ الْمَخْرَجُ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ كَانَ مِثْلَ التَّيَمُّمِ إلَّا أَنَّ مَعْنَى التَّعَبُّدِ فِي التَّيَمُّمِ فِي الْآلَةِ وَفِي الْوُضُوءِ فِي الْمَحَلِّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّعَبُّدِ إذْ الْعِبَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ.

بِخِلَافِ غَسْلِ النَّجَسِ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى إذْ الْمَقْصُودُ فِيهِ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْمَحَلِّ لَا مَعْنَى التَّعَبُّدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي الْأَصْلِ لَمَا كَانَتْ شَرْطًا فِي الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لِتَحْصِيلِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَدَلِ كَمَا فِي إبْدَالِ الْغُصُوبِ وَعَكْسُهُ إبْدَالُ الْكَفَّارَاتِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ فِي الْغُسْلِ عَامِلٌ أَيْ فِي التَّطْهِيرِ بِطَبْعِهِ كَمَا أَنَّهُ مُزِيلٌ وَمُرٌّ بِطَبْعِهِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ طَهُورًا فِي الْأَصْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وَالطَّهُورُ هُوَ الطَّاهِرُ بِنَفْسِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ كَذَا فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَوْ هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي صِفَةِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَعْمَلُ فِي التَّطْهِيرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا يَعْمَلُ فِي الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَكَمَا تَعْمَلُ النَّارُ فِي الْإِحْرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ هُوَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ بَالِغِينَ نَجَاسَةً فَقَالَ وَكَانَ الْقِيَاسُ غَسْلَ كُلِّ الْبَدَنِ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ حَقِيقَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِخُرُوجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>