للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ اقْتَصَرَ عَلَى أَطْرَافِ الْبَدَنِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ حُدُودِ الْبَدَنِ وَأُمَّهَاتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَيْسِيرًا فِيمَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَيُعْتَادُ تَكْرَارُهُ وَأَقَرَّ عَلَى الْقِيَاسِ فِيمَا لَا حَرَجَ فِيهِ وَهُوَ الْمَنِيُّ وَدَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعَدِّي عَنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ إلَّا قِيَاسًا وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالنَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ وَصْفُ مَحَلِّ الْغُسْلِ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ فَأَمَّا الْمَاءُ فَعَامِلٌ بِطَبْعِهِ وَالنِّيَّةُ لِلْفِعْلِ الْقَائِمِ بِالْمَاءِ لَا لِلْوَصْفِ بِالْمَحَلِّ فَكَانَ مِثْلَ غَسْلِ النَّجَسِ بِخِلَافِ التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْقَلْ مُطَهِّرًا وَإِنَّمَا صَارَ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ صِحَّةِ الْإِرَادَةِ وَصَيْرُورَتِهِ مُطَهِّرًا يَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ أَيْضًا.

ــ

[كشف الأسرار]

النَّجَاسَةِ يَثْبُتُ صِفَةُ الْحَدَثِ بِلَا شُبْهَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَخْرَجَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْحَدَثِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ دُبُرُ مُحْدِثٍ وَلَا فَرْجُ حَائِضٍ وَإِنَّمَا الْبَدَنُ كُلُّهُ مَوْصُوفٌ بِهِ أَيْ بِالْحَدَثِ شَرْعًا وَعُرْفًا وَحَقِيقَةً.

أَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَإِنْ غَسَلَ الْمَخْرَجَ وَأَمَّا عُرْفًا فَلِأَنَّهُ يُقَالُ: رَجُلٌ مُحْدِثٌ وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ عَالِمٌ وَمُؤْمِنٌ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ قَائِمَيْنِ بِالْقَلْبِ وَأَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ نَفْيَهُ لَا يَصِحُّ لَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِمُحْدِثٍ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَإِنَّمَا الْمُحْدِثُ فَرْجُهُ وَالْعَالِمُ قَلْبُهُ بَلْ يُكَذَّبُ نَافِيهِ كَذَا قِيلَ فَثَبَتَ أَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْحَدَثِ دُونَ مَوْضِعِ الْخُرُوجِ أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَوْصُوفَ بِالْحَدَثِ لَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِوُجُوبِ الْغَسْلِ.

وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ غَسْلُ كُلِّ الْبَدَنِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ اقْتَصَرَ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي، لَكِنَّ الشَّرْعَ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْضَاءِ تَيْسِيرًا وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ فِي الْحَدَثِ الَّذِي يَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَعَيَّنَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ؛ لِأَنَّهَا حُدُودُ الْبَدَنِ فَإِنَّ بِالرَّأْسِ وَالرِّجْلِ يَنْتَهِي طَرَفَا الطُّولِ وَبِالْيَدَيْنِ يَنْتَهِي طَرَفَا الْعَرْضِ وَهِيَ أُمَّهَاتُ الْبَدَنِ أَيْ أُصُولٌ فِي مَعْنَى الْغَسْلِ؛ لِأَنَّهَا مَوَاقِعُ النَّظَرِ إلَيْهَا وَمَحَالُّ إصَابَةِ الْغُبَارِ وَغَيْرِهِ لِظُهُورِهَا وَكَذَا إقَامَةُ الْغَسْلِ فِيهَا أَيْسَرُ مِنْ إقَامَتِهِ فِي غَيْرِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّنْظِيفِ وَالتَّطْهِيرِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعَدِّي أَيْ تَعَدِّي وُجُوبِ الْغَسْلِ عَنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ إلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ إلَّا مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ لِاتِّصَافِ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِالْحَدَثِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ كَمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ الْمُقْتَضِي لِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَذَلِكَ لَا يَجْعَلُ الْغَسْلَ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بَلْ عَدَمُ غَسْلِ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالنَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ كَذَا يَعْنِي إنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا النَّصُّ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦] الْآيَةُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَنَّ الثَّابِتَ بِهِ وَهُوَ وَصْفُ مَحَلِّ الْغَسْلِ بِالْخَبَثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ.

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ بِالنَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ يَعْنِي الثَّابِتُ بِهَذَا النَّصِّ تَغَيُّرُ وَصْفِ مَحَلِّ الْغَسْلِ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ وَإِنْ ثَبَتَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عُرْفًا وَشَرْعًا، لَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ حِسًّا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةُ الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ثُبُوتِ خَبَثٍ فِي الْمَحَلِّ لِيَكُونَ الْغَسْلُ فِيهِ إزَالَةُ الْخَبَثِ فَكَانَ إثْبَاتُهُ فِي الْمَحَلِّ أَمْرًا حُكْمِيًّا غَيْرَ مَعْقُولٍ لِطَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا فَإِنَّ الْمُحْدِثَ لَوْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يَتَنَجَّسُ.

وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَصَحُّ فَإِنَّ الشَّيْخَ قَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ تَغَيُّرُ مَحَلِّ الطَّهَارَةِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ حَتَّى أَعْطَى لَهُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ نَصًّا غَيْرُ مَعْقُولٍ فَلَمْ يَكُنْ تَغْيِيرًا لِصِفَةِ الْمُطَهِّرِ وَهُوَ الْمَاءُ فَبَقِيَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا بِطَبْعِهِ مَعْقُولًا عَلَى مَا كَانَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ بِالنَّصِّ كَذَا دَفْعًا لِسُؤَالٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ تَطْهِيرَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَمَّا كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ عَلَى أَصْلِكُمْ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَقَالَ: النَّجَاسَةُ فِي الْأَعْضَاءِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَالشَّرْعُ أَثْبَتَ النَّجَاسَةَ فِي حَقِّ الْمَاءِ فَبَقِيَتْ النَّجَاسَةُ عَدَمًا فِي حَقِّ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ فَأَمَّا الْمَاءُ فَعَامِلٌ بِطَبْعِهِ أَيْ مُطَهِّرٌ وَمُزِيلٌ لِلْخَبَثِ بِطَبْعِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَمَلُهُ عَلَى قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ.

وَالنِّيَّةُ لِلْفِعْلِ الْقَائِمِ بِالْمَاءِ وَهُوَ التَّطْهِيرُ يَعْنِي لَوْ شُرِطَتْ النِّيَّةُ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِيَصِيرَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا إلَّا لَأَنْ يَثْبُتَ خَبَثٌ فِي الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>