وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْعُشْرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَنْقَلِبُ خَرَاجِيًّا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ تَضْعِيفُهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي صِفَةَ الْقُرْبَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَبْقَى الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلِهَذَا يَبْقَى الْخَرَاجُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ فِي صَرْفِ الْعُشْرِ الْبَاقِي عَلَى الْكَافِرِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ خَرَاجِيًّا فِي رِوَايَةٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إلَّا بِشَرْطِ التَّضْعِيفِ لَكِنَّ التَّضْعِيفَ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْخَرَاجُ فَصَارَ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ــ
[كشف الأسرار]
مَئُونَةٌ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ بَقَاءِ الْأَرْضِ كَالْعُشْرِ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَيْ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهِ فِي الْأَصْلِ أَوْ سَبَبُ وَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ لَا سَبَبُ وُجُوبِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْأَرْضُ عَلَى مَا مَرَّ الِاشْتِغَالُ بِالزِّرَاعَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا فَلَمْ يُسَلِّمُوا وَاشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَضَعَ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أُرَاضِيهِمْ الْخَرَاجَ فَكَانَ سَبَبُ وَضْعِهِ الِاشْتِغَالَ بِالزِّرَاعَةِ وَهُوَ سَبَبُ الذُّلِّ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ رَأَى آلَةَ الزِّرَاعَةِ فِي دَارِ قَوْمٍ مَا دَخَلَ هَذَا دَارَ قَوْمٍ إلَّا ذُلُّوا» وَذَلِكَ لِمَا فِي الِاشْتِغَالِ بِالزِّرَاعَةِ عِمَارَةُ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْجِهَادِ وَهُمَا مِنْ عَادَةِ الْكُفَّارِ فَكَانَ وُجُوبُ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِ الْأَرْضِ مَئُونَةً وَبِاعْتِبَارِ الِاشْتِغَالِ بِالزِّرَاعَةِ عُقُوبَةً.
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ شُرِعَ مَئُونَةً لِحِفْظِ الْأَرْضِ وَإِنْزَالِهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ مُشْبَعًا فِي بَابِ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَرَامَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ فِي الْخَرَاجِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ إهَانَةً لِلْكَافِرِينَ وَإِنْزَالُ الْأَرْضِ رِيعَهَا وَمَا يَحْصُلُ مِنْهَا جَمْعٌ نَزَلَ وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالْفَضْلُ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الْخَرَاجَ فِي الْأَرَاضِي أَصْلٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ الشَّرْعَ نَقَلَ عَنْهُ إلَى الْعُشْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْجَبَ الصَّرْفَ إلَى مَصَارِفِ الزَّكَاةِ لِيَصِيرَ بِهِ نَوْعَ عِبَادَةٍ تَكْرِمَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِ الْخَرَاجِ مُتَضَمِّنًا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالذُّلِّ لَا يُبْتَدَأُ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ طَوْعًا أَوْ قُسِّمَتْ الْأَرَاضِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُوضَعْ الْخَرَاجُ عَلَى أَرَاضِيهمْ وَجَازَ الْبَقَاءُ أَيْ بَقَاءُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى مِنْ كَافِرٍ أَرْضَ خَرَاجٍ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَلَهُ أَرْضُ خَرَاجٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ دُونَ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْمَئُونَةِ وَالْعُقُوبَةِ لَمْ يَجِبْ بِالشَّكِّ أَيْ لَمْ يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً بِمَعْنَى الْمَئُونَةِ لِمُعَارَضَةِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ إيَّاهُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ يَعْنِي لَا يَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبُ بِالشَّكِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ سَقَطَ لَسَقَطَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَقَدْ عَارَضَهُ مَعْنَى الْمَئُونَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْبَقَاءَ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْعُشْرِ أَيْ وَكَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْخَرَاجِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْعُشْرِ يَعْنِي لَا يُبْتَدَأُ الْعُشْرُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَكِنْ يَجُوزُ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ الذِّمِّيُّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً تَبْقَى عُشْرِيَّةً كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ مَئُونَةً لِلْأَرْضِ النَّامِيَةِ كَالْخَرَاجِ فَيَكُونُ الْكَافِرُ أَهْلًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ تَحَمُّلِ الْمُؤَنِ إلَّا أَنَّ فِي أَدَاءِ الْعُشْرِ لِلْمُؤْمِنِ قُرْبَةً وَثَوَابًا؛ لِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى مَصَارِفِ الزَّكَاةِ وَيُقْضَى بِهِ رِزْقُ عَبِيدِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ مَا يَكُونُ فِي نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ وَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الْأَدَاءِ تَابِعًا أَمْكَنَ الْإِيجَابُ عَلَى الْكَافِرِ بِلَا تَضْمِينِ قُرْبَةٍ فِي أَدَائِهَا كَمَا فِي النَّفَقَاتِ وَلِأَنَّا نُوجِبُ الْعُشْرَ وَنَصْرِفُهُ إلَى مَصَارِفِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجُ كَصَدَقَاتِ بَنِي ثَعْلَبٍ وَهَذَا بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ إيجَابِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرْبِ كَرَامَةٍ مَعَ إمْكَانِ وَضْعِ الْخَرَاجِ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ مَانِعٌ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ مَعَ إمْكَانِ وَضْعِ الْعُشْرِ فَأَمَّا بَعْدَمَا صَارَتْ عُشْرِيَّةً فَيَسْتَقِيمُ إيجَابُهُ عَلَى الْكَافِرِ فَلَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً بِكُفْرِهِ كَالْخَرَاجِيَّةِ لَا تَصِيرُ عُشْرِيَّةً بِإِسْلَامِ الْمَالِكِ وَحَاصِلُ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَا صَارَ وَظِيفَةً لِلْأَرْضِ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ تَضْعِيفُهُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الْمُسْلِمِ يَجِبُ تَضْعِيفُهُ إذَا وَجَبَ أَخْذُهُ مِنْ الْكَافِرِ كَصَدَقَاتِ بَنِي ثَعْلَبٍ وَمَا يَمُرُّ بِهِ الذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْقَلِبُ خَرَاجًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ لَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ مِنْ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute