وَالْعِبَادَةُ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَلَمْ تَكُنْ خَالِصَةً حَتَّى لَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا كَمَالُ الْأَهْلِيَّةِ.
وَالْمُؤْنَةُ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ هِيَ الْعُشْرُ حَتَّى لَا يُبْتَدَأَ عَلَى الْكَافِرِ وَأَجَازَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَقَاءَهُ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الِاشْتِغَالُ بِالزِّرَاعَةِ وَهِيَ الذُّلُّ فِي الشَّرِيعَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُرِعَ مُؤْنَةً لِحِفْظِ الْأَرْضِ وَإِنْزَالِهَا وَلِذَلِكَ لَا يُبْتَدَأُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَجَازَ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لِمَا تَرَدَّدَ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَلِمَا فِي شَرْطِهَا مِنْ مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ اقْتِضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوْمُ وَالْمَقْصُودُ بِهَا تَكْثِيرُ الصَّلَوَاتِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ فِي مَكَانِهَا عَلَى صِفَةِ الِاسْتِعْدَادِ بِالطَّهَارَةِ.
قَوْلُهُ (وَالْعِبَادَةُ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ) الْمَئُونَةُ الثِّقَلُ فَعُولَةٌ مِنْ مَأَنْت الْقَوْمَ أَمْأَنُهُمْ إذَا احْتَمَلْت مَئُونَتَهُمْ وَقِيلَ: الْعُدَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَتَانِي فُلَانٌ وَمَا مَأَنْتُ لَهُ مَأْنًا إذَا لَمْ يَسْتَعِدَّ لَهُ وَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ مِنْت الرَّجُلَ أَمُونُهُ وَالْهَمْزَةُ فِيهَا كَهِيَ فِي أَدْؤُرٍ وَقِيلَ: هِيَ مُفْعَلَةٌ مِنْ الْأَوْنِ وَهُوَ الْخَرْجُ وَالْعَدْلُ؛ لِأَنَّهُ ثِقَلٌ عَلَى الْإِنْسَانِ أَوْ مِنْ الْأَيْنِ وَهُوَ التَّعَبُ وَالشِّدَّةُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالصِّحَاحِ.
وَهَذَا الْوَاجِبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْمَئُونَةِ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ فِي الشَّرْعِ صَدَقَةٌ وَكَوْنُهُ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَاعْتِبَارُ صِفَةِ الْغِنَاءِ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي أَدَائِهِ حَتَّى لَا يَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ بِحَالٍ وَعَدَمُ صِحَّةِ أَدَائِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ زَكَّى مَالَهُ وَتَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِالْوَقْتِ وَوُجُوبُ صَرْفِهِ إلَى مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عِبَادَةً.
وَوُجُوبُهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ رَأْسِ الْغَيْرِ وَكَوْنُ الرَّأْسِ فِيهِ سَبَبًا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمَئُونَةِ كَالنَّفَقَةِ وَإِلَى مَعْنَى الْمَئُونَةِ أَشَارَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونِ» إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ لَمَّا كَانَ رَاجِحًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي قُلْنَا هَذَا الْوَاجِبُ عِبَادَةٌ فِيهِ مَعْنَى الْمَئُونَةِ وَلَمَّا قَصَرَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً خَالِصَةً لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ كَمَالُ الْأَهْلِيَّةِ كَمَا شُرِطَ لِلْعِبَادَاتِ الْخَالِصَةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْغَنِيَّيْنِ فِي مَالِهِمَا كَنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنْفُسِهِمَا وَرَقِيقُهُمَا يَتَوَلَّى أَدَاءَ ذَلِكَ عَنْ مَالِهِمَا الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ الْجَدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَبٌ وَلَا وَصِيُّ أَبٍ أَوْ وَصِيُّ الْجَدِّ بَعْدَ الْجَدِّ أَوْ وَصِيٌّ نَصَّبَهُ الْقَاضِي لَهُمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَيْهِمَا فِي مَالِهِمَا فَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَنِيًّا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدَّاهَا مِنْ مَالِهِمَا ضَمِنَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَبِ بِسَبَبِ رَأْسِ الْوَلَدِ كَمَا يَجِبُ بِسَبَبِ رَأْسِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ فَإِذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ضَمِنَ كَمَا إذَا أَدَّى صَدَقَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا رَاجِحٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِسُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ يُبْنَى الْوُجُوبُ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقَالَا: فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْمَئُونَةِ كَمَا بَيَّنَّا فَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ لَمْ تَجِبْ مَعَ الْفَقْرِ كَالزَّكَاةِ وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَئُونَةِ صَحَّ الْإِيجَابُ عَلَى الصَّغِيرِ كَالْعُشْرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَوْضَحُ.
قَوْلُهُ (وَالْمَئُونَةُ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ هِيَ الْعُشْرُ) .
لِأَنَّ سَبَبَهُ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ فَبِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْأَرْضِ هُوَ مَئُونَةٌ؛ لِأَنَّ مَئُونَةَ الشَّيْءِ سَبَبُ بَقَائِهِ وَالْعُشْرُ سَبَبُ بَقَاءِ الْأَرْضِ وَبِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالنَّمَاءِ وَهُوَ الْخَارِجُ كَتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَصْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ كَمَصْرِفِ الزَّكَاةِ تَحَقَّقَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَأَخَذَ شَبَهًا بِالزَّكَاةِ إلَّا أَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ وَالنَّمَاءُ وَصْفٌ تَابِعٌ وَكَذَا الْمَحَلُّ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ تَابِعٌ فَكَانَ مَعْنَى الْمَئُونَةِ فِيهِ أَصْلًا وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَبَعًا حَتَّى لَا يُبْتَدَأَ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا، لَكِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْقُرْبَةِ بِوَجْهٍ وَأَجَازَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَقَاءَهُ عَلَى الْكَافِرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَئُونَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَالْخَرَاجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute