للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرَ أَنَّا جَعَلْنَا النُّصْرَةَ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْعَالِ وَالطَّاعَاتِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْكَرَامَةِ وَاعْتِبَارًا بِالْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فَإِنَّهَا بِالنُّصْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ.

ــ

[كشف الأسرار]

يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ يَجِبُ بِاعْتِبَارِهِ عَلَى الْعَبْدِ أَدَاؤُهُ بِطَرِيقِ الطَّاعَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ فَخُمُسُ الْمَغَانِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالْمَغْنَمُ وَالْغَنِيمَةُ مَا يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَالْمَعْدِنُ اسْمٌ لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُقِيمُونَ بِهِ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ وَقِيلَ لِإِثْبَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ جَوْهَرَهُمَا وَإِثْبَاتُهُ إيَّاهُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى عَدَنَ فِيهَا أَيْ يَثْبُتُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ حَقٌّ وَجَبَ أَيْ هُوَ حَقٌّ ثَبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى بِحُكْمِ أُلُوهِيَّتِهِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ إعْزَازُ دِينِهِ وَإِعْلَاءُ كَلِمَتِهِ فَصَارَ الْمُصَابُ بِهِ لَهُ كُلُّهُ أَيْ صَارَ الْمُصَابُ بِالْجِهَادِ كُلُّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: ١] .

وَمَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ ذِكْرِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ أَنَّ الْحُكْمَ وَالْأَمْرَ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ وَالرَّسُولُ يُنَفِّذُهُ فِيمَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فَثَبَتَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْمُصَابِ حَقُّهُ عَلَى الْخُلُوصِ، لَكِنَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ أَوْجَبَ أَيْ أَثْبَتَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْمُصَابِ لِلْغَانِمِينَ مِنَّةً مِنْهُ أَيْ بِطَرِيقِ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْجِبَهَا بِالْجِهَادِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَعْمَلُهُ لِمَوْلَاهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَوْلَاهُ شَيْئًا، لَكِنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَهَا لِلْغَانِمِينَ جَزَاءً مُعَجَّلًا فِي الدُّنْيَا فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً فَلَمْ يَكُنْ الْخُمُسُ حَقًّا لَزِمَنَا أَدَاؤُهُ بِطَرِيقِ الطَّاعَةِ بَلْ هُوَ حَقُّ اسْتِبْقَاءٍ لِنَفْسِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ وَأَمْرٌ بِالصَّرْفِ إلَى مَنْ سَمَّاهُمْ فِي كِتَابِهِ فَتَوَلَّى السُّلْطَانُ أَخْذَهُ وَقِسْمَتَهُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ جَوَّزْنَا صَرْفَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ إلَى مَنْ اسْتَحَقَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا مِنْ الْغَانِمِينَ وَإِلَى آبَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَكَذَا جَازَ صَرْفُ خُمُسِ الْمَعْدِنِ إلَى الْوَاحِدِ عِنْدَ حَاجَتِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا وَجَبَ عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ مِثْلُ الزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فَإِنَّ صَرْفَهَا لَا يَجُوزُ إلَى مَنْ أَدَّاهَا وَإِنْ افْتَقَرَ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الزَّكَاةَ إلَى السَّاعِي بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ فَافْتَقَرَ قَبْلَ صَرْفِهَا إلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ السَّاعِي وَيَصْرِفَهَا إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَهُوَ فَقِيرٌ فَمَلَكَ مِنْ الطَّعَامِ مِقْدَارَ مَا يُؤَدِّي بِهِ الْكَفَّارَةَ مَثَلًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبَوَيْهِ أَوْ أَوْلَادِهِ.

وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ كَانَ فِعْلُ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَقْصُودَ وَلَا يَحْصُلُ الْإِيتَاءُ أَوْ لَا يَتِمُّ بِالصَّرْفِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ فَأَمَّا هَاهُنَا فَالْفِعْلُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ بَلْ هُوَ مَالُ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ بِصَرْفِهِ إلَى جِهَةٍ فَإِذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الْجِهَةُ فِي الْغَانِمِ كَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءً وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ لَزِمَنَا أَدَاؤُهُ بِطَرِيقِ الطَّاعَةِ حَلَّ خُمُسُ الْخُمُسِ لِبَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّهُ أَيْ خُمُسَ الْخَمْسِ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ التَّحْقِيقِ أَيْ أَثْبَتْنَا أَنَّهُ حَقٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَصِرْ مِنْ الْأَوْسَاخِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَصِيرُ وَسَخًا بِصَيْرُورَتِهِ آلَةً لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَمَحَلًّا لِانْتِقَالِ الْآثَامِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَنِ فِي الْبَدَنِ إلَيْهِ فَيَصِيرُ خَبِيثًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْبَدَنِ يَصِيرُ خَبِيثًا طَبْعًا بِانْتِقَالِ الْأَوْسَاخِ إلَيْهِ أَوْ شَرْعًا بِانْتِقَالِ الْحَدَثِ أَوْ الْآثَامِ إلَيْهِ وَهَذَا الْمَالُ لَمْ يُؤَدِّ بِهِ وَاجِبٌ فَبَقِيَ طَيِّبًا كَمَا كَانَ فَحَلَّ لِبَنِي هَاشِمٍ بِخِلَافِ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ صَارَ خَبِيثًا لِمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَحِلَّ لِبَنِي هَاشِمٍ لِفَضِيلَتِهِمْ قَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّا) أَيْ، لَكِنَّا جَعَلْنَا النُّصْرَةَ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي حَقِّ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عِلَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ الْقَرَابَةُ فِي حَقِّهِمْ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي سُقُوطِ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى فَعِنْدَنَا يَسْقُطُ بِوَفَاةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِانْتِهَاءِ الْعِلَّةِ وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>