للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

النُّصْرَةُ بِوَفَاتِهِ كَمَا سَقَطَ نَصِيبُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ لِانْتِهَاءِ عِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ ضَعْفُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا سَقَطَ هَذَا السَّهْمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ وَعِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ سَقَطَ فِي حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ جَمِيعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ ثَابِتٌ لِبَقَاءِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْقَرَابَةُ فَيُقَسَّمُ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَيَدْخُلُ مَنْ اتَّصَفَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فِيهِمْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَسَهْمُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَاقِطٌ عِنْدَنَا بِوَفَاتِهِ أَيْضًا كَسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى.

وَعِنْدَهُ يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ كَمَا كَانَ يُقَسَّمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمٌ لِلْإِمَامِ يَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الدِّينِ وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى يُقَسَّمُ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُمْ قَالَ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْقَرَابَةُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] وَالْمُرَادُ قَرَابَةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا فَسَّرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَهِيَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ مَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَعَوَّضَكُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ» سُمِّيَ حَقُّهُمْ فِي الْخُمُسِ عِوَضًا عَنْ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَالْعِوَضِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ إذَا جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ خَلَفٌ عَنْ الْمُعَوَّضِ فَيَثْبُتُ بِمَا ثَبَتَ بِهِ الْأَصْلُ وَعِلَّةُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ هِيَ الْقَرَابَةُ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْقَرَابَةُ عِلَّةً لِاسْتِحْقَاقِ خُمُسِ الْخُمُسِ الَّذِي هُوَ عِوَضٌ أَيْضًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ حِرْمَانَهُمْ عَنْ الصَّدَقَةِ كَانَ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْكَرَامَةُ إذَا حُرِمُوا عَنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ مَالٌ خَبِيثٌ وَأُعْطُوا مِنْ مَالٍ طَيِّبٍ فَأَمَّا الْحِرْمَانُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّفَهُ شَيْءٌ آخَرُ يَكُونُ إهَانَةً لَا كَرَامَةً وَمَا ذَكَرْتُمْ مُؤَدٍّ إلَيْهِ إذْ الْحِرْمَانُ ثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ عَلَى أَصْلِكُمْ.

وَالدَّلِيلُ لَنَا عَلَى أَنَّ النُّصْرَةَ عِلَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ النَّصِّ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى يَوْمَ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَجَاءَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَجُبَيْرُ بْنِ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَا: إنَّا لَا نُنْكِرُ فَضْلَ بَنِي هَاشِمٍ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ فِيهِمْ وَلَكِنْ نَحْنُ وَبَنُو مُطَّلِبٍ إلَيْك سَوَاءٌ فِي النَّسَبِ فَمَا بَالُك أَعْطَيْتَهُمْ وَحَرَمْتَنَا فَقَالَ: إنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَإِسْلَامٍ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» فَهُمَا سَأَلَا عَنْ تَخْصِيصِ بَنِي الْمُطَّلِبِ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ وَقِيلَ بَنُو نَوْفَلٍ وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ كَانُوا أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّ نَوْفَلًا وَعَبْدَ شَمْسٍ كَانَا أَخَوَيْ هَاشِمٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْمُطَّلِبُ كَانَ أَخَا هَاشِمٍ لِأَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، ثُمَّ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُعْطِ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأُشْكِلَ عَلَيْهِمَا فَلِهَذَا سَأَلَاهُ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالنُّصْرَةِ وَالِانْضِمَامِ إلَيْهِ صُحْبَةٌ لَا بِالْقَرَابَةِ وَالصُّحْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ بِوَفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَبَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَا يُقَالُ: الْكِتَابُ يَقْتَضِي الِاسْتِحْقَاقَ بِالْقَرَابَةِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ مَا ثَبَتَ بِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ الْآحَادِ بَلْ هُوَ خَبَرٌ مَشْهُورٌ عَمِلَ بِهِ الْأُمَّةُ فَإِنَّ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى عِنْدَ مَنْ قَالَ بِبَقَائِهِ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَقْسُومٌ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْخَبَرِ فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، ثُمَّ أَمَّا أَنْ يُقَالَ: ثَبَتَ أَنَّ النُّصْرَةَ عِلَّةٌ بِهَذَا الْخَبَرِ فَتُضَمُّ إلَى الْقَرَابَةِ الثَّابِتَةِ عِلَّةً بِالْكِتَابِ وَصَارَتَا عِلَّةً وَاحِدَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>