للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

وَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا كَمَا هُوَ طَرِيقُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَوْ يُقَالُ: لَفْظُ الْقُرْبَى مُطْلَقٌ فَيَتَقَيَّدُ بِالنُّصْرَةِ كَتَقَيُّدِ الْأَيَّامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالتَّتَابُعِ أَوْ هُوَ مُجْمَلٌ فَيَلْتَحِقُ الْخَبَرُ بَيَانًا بِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيَانِ وَمِنْ الْمَعْقُولِ أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى ثَبَتَ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ فَتَعْلِيقُ هَذِهِ الْكَرَامَةِ بِنُصْرَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِهِ بِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ فِعْلٌ هُوَ طَاعَةٌ فِي الْأَصْلِ وَالْقَرَابَةُ أَمْرٌ ثَبَتَ خِلْقَةً لَا صُنْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ وَتَعَلُّقُ الْكَرَامَاتِ بِالطَّاعَاتِ أَكْثَرُ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِمَا ثَبَتَ خِلْقَةً وَاعْتِبَارٌ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فَإِنَّهَا لَمْ تُسْتَحَقَّ إلَّا بِالنُّصْرَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَهَا مَنْ دَخَلَ تَاجِرًا أَوْ يَمْلِكُهَا مَنْ دَخَلَ غَازِيًا وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى قَصْدِ النُّصْرَةِ وَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَثَبَتَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِالنُّصْرَةِ لَمَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ كَمَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ مِنْ النُّصْرَةِ الِاجْتِمَاعُ إلَيْهِ فِي الشِّعْبِ وَالْوَادِي لَا نُصْرَةُ الْقِتَالِ وَمِثْلُهَا يَكُونُ مِنْ النِّسْوَانِ وَالْوِلْدَانِ وَإِلَيْهَا أُشِيرَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَإِسْلَامٍ» .

وَقِصَّةُ ذَلِكَ «أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ أَرَادُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُوءًا قَامَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بِالذَّبِّ عَنْهُ فَتَضَافَرَتْ قُرَيْشٌ عَلَى نَصْبِ الْعَدَاوَةِ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَكَتَبُوا صَحِيفَةً تَعَاقَدُوا فِيهَا عَلَى قَطْعِ الرَّحِمِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَأَنْ لَا يُصَاهِرُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُخَالِطُوهُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَيْهِمْ لِيَقْتُلُوهُ وَعَلَّقُوهَا فِي الْكَعْبَةِ فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ ذَلِكَ دَخَلَ شِعْبَهُ الَّذِي كَانَ لَهُ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ بِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ غَيْرَ أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ دَخَلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ فَتَحَصَّنُوا بِالشِّعْبِ وَبَقُوا فِيهِ ثَلَاثَ سِنِينَ مَقْطُوعًا عَنْهُمْ الْمِيرَةُ وَالتَّفَقُّدُ حَتَّى ضَاقَتْ بِهِمْ الْحَالُ وَجَعَلَ صِبْيَانُهُمْ يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجُوعِ، ثُمَّ سَلَّطَ اللَّهُ الْأَرَضَةَ عَلَى الصَّحِيفَةِ فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ جَوْرٍ وَقَطِيعَةٍ وَتَرَكَتْ مَا كَانَ مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأُوحِيَ بِذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ لِعَمِّهِ فَاجْتَمَعُوا وَلَبِسُوا أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ وَخَرَجُوا إلَى الْحِجْرِ فَجَلَسُوا مَجَالِسَ ذَوِي الْأَقْدَارِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنَّا قَدْ جَاءَكُمْ لِأَمْرٍ فَأَجِيبُوا فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ فَقَالُوا مَرْحَبًا بِك فَقُلْ مَا تُحِبُّ فَعِنْدَنَا مَا يَسُرُّك فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: إنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَنِي وَلَمْ يَكْذِبْنِي قَطُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَّطَ عَلَى صَحِيفَتِكُمْ الْأَرَضَةَ فَلَحِسَتْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ جَوْرٍ وَقَطِيعَةٍ وَتَرَكَتْ مَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا نَزَعْتُمْ عَنْ سُوءِ رَأْيِكُمْ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمْ فَقَتَلْتُمُوهُ أَوْ اسْتَبْقَيْتُمُوهُ فَقَالُوا: قَدْ أَنْصَفْتَنَا، ثُمَّ تَمَالَأَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تَقَصِّي شَأْنِ الصَّحِيفَةِ فَلَمَّا أُحْضِرَتْ وَنُشِرَتْ إذْ هِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعِنْدَ ذَلِكَ سُقِطَ فِي أَيْدِيهمْ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ، ثُمَّ مُزِّقَتْ الصَّحِيفَةُ وَخَرَجَ النَّاسُ مِنْ الشِّعْبِ وَأَمِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» .

وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُمْ لَمَّا جَهَدُوا جَهْدًا شَدِيدًا رَقَّ لَهُمْ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَظْهَرُوا الْكَرَاهَةَ لِمَا نَالَهُمْ مِنْ الضُّرِّ وَالْبُؤْسِ فَأَجْمَعُوا عَلَى نَقْضِ تِلْكَ الصَّحِيفَةِ الْقَاطِعَةِ الظَّالِمَةِ فَقَامَ مُطْعِمٌ إلَى الصَّحِيفَةِ فَوَجَدَ الْأَرَضَةَ قَدْ أَكَلَتْهَا إلَّا بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَلَمَّا مُزِّقَتْ وَبَطَلَ مَا فِيهَا فَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَخَرَجُوا مِنْ الشِّعْبِ فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَعِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَإِسْلَامٍ» فَإِنْ قِيلَ فَإِذًا هَذِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>