للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَأَرْبَعَةٌ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ وَالشَّرْطُ وَالْعَلَامَةُ أَمَّا السَّبَبُ فَإِنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الطَّرِيقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا - فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: ٨٤ - ٨٥] أَيْ طَرِيقًا وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْبَابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} [غافر: ٣٦] {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [غافر: ٣٧] يُرِيدُ بِهِ أَبْوَابَهَا وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:

وَلَوْ نَالَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَبْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ} [الحج: ١٥] أَيْ بِحَبْلٍ إلَى السَّقْفِ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاحِدٌ

ــ

[كشف الأسرار]

وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْإِتْلَافَاتِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا أَيْ عَمَّا قَالَا: إنَّ الْأَصْلَ مُحْتَمِلٌ لِلْمِلْكِ فَانْعَقَدَ السَّبَبُ مُوجِبًا لَهُ إلَى آخِرِهِ إنَّ مِلْكَ الْأَصْلِ الْمُتْلَفِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَيْضًا وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ مَشْرُوعًا؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَشْرُوعِيَّةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاحْتِمَالِ الْوَحْيِ وَقَدْ انْقَطَعَ احْتِمَالُ الْوَحْيِ بِوَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْعَقِدُ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْأَصْلِ بِوَجْهٍ كَمَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ فَيُبْطَلُ الْخَلَفُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ فَيَنْعَقِدُ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْأَصْلِ فَيَعْمَلُ فِي الْخَلَفِ وَبِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمِلْكِ فِيهِمَا قَائِمٌ فِي الْحَالِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ يَنْفُذُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ أَيْضًا بِرِضَاهُ وَأَصْلُ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ ثَابِتٌ لِلْمَوْلَى وَيَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ بِالْعَجْزِ وَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى يَدًا وَرَقَبَةً كَمَا كَانَ وَإِذَا كَانَ احْتِمَالُ الْمِلْكِ ثَابِتًا فِي الْحَالِ جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْأَصْلِ لِيَعْمَلَ فِي الْخَلَفِ وَلِأَنَّ الْخَلَفَ يَحْكِي الْأَصْلَ يَعْنِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ وَمُحْتَمِلٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلشُّهُودِ وِلَايَةُ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْوَلِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ يَحْكِي الْأَصْلَ أَيْ يُشَابِهُهُ وَيَثْبُتُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْأَصْلُ وَالْأَصْلُ هُوَ الدَّمُ الْمُتْلَفُ وَمِلْكُ الدَّمِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ الْقِصَاصِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ مِلْكًا لَهُمْ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتْلِفُ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِتْلَافُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنْسَانٌ آخَرُ أَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ. ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يَجِبْ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ ضَمَانٌ عَلَى الْقَاتِلِ وَالشُّهُودِ وَانْعِقَادُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَإِذَا امْتَنَعَ ضَمَانُ الْأَصْلِ لَمْ يُتَصَوَّرْ زَمَانُ خَلَفِهِ وَهُوَ الدِّيَةُ

وَفِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ الْأَصْلُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ مَضْمُونٌ مَتَى كَانَ مَمْلُوكًا لَا مَحَالَةَ يَعْنِي مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ ثَابِتًا يَكُونُ مُوجِبًا ضَمَانَ خَلَفِهِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَكَذَلِكَ إذَا انْعَقَدَ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْأَصْلِ، ثُمَّ لَمْ يَعْمَلْ بِعَارِضِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ يَكُونُ مُوجِبًا لِخَلَفِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ فِي الْمُدَبَّرِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي الْمُكَاتَبِ فَيَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ بِهِمَا كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي) يَعْنِي مِنْ التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ الْقِسْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَشْرُوعَةُ فَأَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ كَمَا ذَكَرْت وَالدَّلِيلُ عَلَى الْحَصْرِ الِاسْتِقْرَاءُ لَا غَيْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: ٨٤] أَيْ آتَيْنَا ذَا الْقَرْنَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ كُلِّ شَيْءٍ إرَادَةً مِنْ أَغْرَاضِهِ وَمَقَاصِدِهِ فِي مِلْكِهِ سَبَبًا أَيْ طَرِيقًا مُوَصِّلًا إلَيْهِ وَالسَّبَبُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ قُدْرَةٍ أَوْ آلَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} [غافر: ٣٦] {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [غافر: ٣٧] أَيْ أَبْوَابَهَا فِي قَوْلِ السُّدِّيَّ وَطُرُقَهَا فِي قَوْلِ أَبِي صَالِحٍ وَأَبْهَمَ الْأَسْبَابَ، ثُمَّ أَوْضَحَهَا بِأَسْبَابِ السَّمَاوَاتِ؛ لِأَنَّهُ فَخَّمَ مَا أَمَّلَ بُلُوغَهُ مِنْ أَسْبَابِهَا وَهُوَ فَائِدَةُ الْإِيضَاحِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ. وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بُلُوغُهَا أَمْرًا عَجِيبًا زَادَ فِي تَعْجِيبِهِ إلَى هَامَانَ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ بِالْإِيضَاحِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ مِنْ التَّعَجُّبِ وَمِنْهُ أَيْ وَمِمَّا أُرِيدَ بِالسَّبَبِ الْبَابُ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:

وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ ... وَلَوْ نَالَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

يَعْنِي وَمَنْ خَافَ الْمَوْتَ وَاحْتَرَزَ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ لَا يَنْفَعُهُ الِاحْتِرَازُ وَالْحِيلَةُ فَهُوَ مُصِيبُهُ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ نَالَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ أَيْ أَبْوَابَهَا بِسُلَّمٍ أَيْ صَعِدَ عَلَيْهَا فِرَارًا مِنْهُ وَمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>