للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ مَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الشَّيْءِ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا هُوَ طَرِيقٌ إلَى الشَّيْءِ مَنْ سَلَكَهُ وَصَلَ إلَيْهِ فَنَالَهُ فِي طَرِيقِهِ ذَلِكَ لَا بِالطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَ كَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا إلَى مِصْرَ بَلَغَهُ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ لَا بِهِ لَكِنْ يَمْشِيهِ.

وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَإِنَّهَا فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُغَيِّرِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَرَضُ عِلَّةً وَالْمَرِيضُ عَلِيلًا فَكُلُّ وَصْفٍ حَلَّ بِمَحَلٍّ فَصَارَ بِهِ الْمَحَلُّ مَعْلُولًا وَتَغَيَّرَ حَالُهُ مَعًا فَهُوَ عِلَّةٌ كَالْجُرْحِ بِالْمَجْرُوحِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

ــ

[كشف الأسرار]

ذَلِكَ أَيْ الْجَمِيعُ يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ مَا يَكُونُ مُوَصِّلًا إلَى الشَّيْءِ فَإِنَّ الْبَابَ مُوَصِّلٌ إلَى الْبَيْتِ وَالْحَبْلُ مُوَصِّلٌ إلَى الْمَاءِ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا هُوَ طَرِيقٌ إلَى الشَّيْءِ أَيْ إلَى الْحُكْمِ يَعْنِي هُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا هُوَ مَوْضُوعُهُ لُغَةً أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْوُصُولُ بِهِ كَالطَّرِيقِ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَقْصِدِ وَإِنْ كَانَ الْوُصُولُ بِالْمَشْيِ وَكَالْحَبْلِ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ الْوُصُولُ بِالِاسْتِقَاءِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: السَّبَبُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَقْصُودٍ مَا، وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَمَّا هُوَ أَخَسُّ مِنْ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ كُلُّ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَرِّفًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَفَائِدَةُ نَصْبِهِ سَبَبًا مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ سُهُولَةُ وُقُوفِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى خِطَابِ الشَّارِعِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ مِنْ الْوَقَائِعِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ حَذَرًا مِنْ تَعْطِيلِ أَكْثَرِ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ السَّبَبُ اسْمًا عَامًّا مُتَنَاوِلًا لِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ وَيُوَصِّلُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلَلِ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ تَسْمِيَةُ الْوَقْتِ وَالشَّهْرِ وَالْبَيْتِ وَالنِّصَابِ وَسَائِرِ مَا مَرَّ ذِكْرُهَا فِي بَابِ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ أَسْبَابًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَعَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعِلَلَ بَلْ يَكُونُ اسْمًا لِنَوْعٍ مِنْ الْمَعَانِي الْمُفْضِيَةِ إلَى الْحُكْمِ فَيَكُونُ تَسْمِيَةُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ أَسْبَابًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْعِلَّةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كَذَا) ذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي اللُّغَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ اسْمٌ لِعَارِضٍ يَتَغَيَّرُ وَصْفُ الْمَحَلِّ بِحُلُولِهِ فِيهِ مِنْ وَصْفِ الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ إلَى الضَّعْفِ وَالْمَرَضِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْعِلَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَلَلِ وَهُوَ الشَّرْبَةُ بَعْدَ الشَّرْبَةِ وَسُمِّيَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ فِي الشَّرْعِ عِلَّةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا فِي اللُّغَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيمَا يُؤَثِّرُ فِي أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُؤَثِّرُ صِفَةً أَوْ ذَاتًا وَسَوَاءٌ أَثَّرَ فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي التَّرْكِ يُقَالُ مَجِيءُ زَيْدٍ عِلَّةٌ لِخُرُوجِ عَمْرٍو وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ زَيْدٍ عِلَّةً لِامْتِنَاعِ خُرُوجِ عَمْرٍو قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ:

وَالظُّلْمُ فِي خُلُقِ النُّفُوسِ وَإِنْ تَجِدْ ... ذَا عِفَّةٍ فَلَعَلَّهُ لَا يَظْلِمْ

سَمَّى الْمَعْنَى الْمَانِعَ مِنْ الظُّلْمِ عِلَّةً وَسَمَّى الْمَرَضَ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي ضَعْفِ الْمَرِيضِ وَيُؤَثِّرُ فِي مَنْعِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ.

فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ سُمِّيَ الْوَصْفُ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْخُصُوصِ إلَى الْعُمُومِ فَإِنَّ الْحُكْمَ كَانَ مُخْتَصًّا بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ مَعْرِفَةِ الْوَصْفِ بِالْمُؤَثِّرِ تَغَيَّرَ حُكْمُ ظَاهِرِ النَّصِّ مِنْ الْخُصُوصِ إلَى الْعُمُومِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي سُمِّيَ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى الدَّوَامِ وَالتَّكَرُّرِ عِنْدَ تَكَرُّهٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ إمَّا فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ قَالَ: وَهَذَا لَا خَيْرَ هُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الشَّخْصَ إذَا وُلِدَ مَرِيضًا سُمِّيَ عَلِيلًا وَالْمَرَضُ فِيهِ عِلَّةٌ وَلَيْسَ بِمُغَيِّرٍ لِوَصْفِ الصِّحَّةِ وَبِخِلَافِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يُسَمَّى عِلَّةً فِي أَوَّلِ مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْعِلَلِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ عَلِيلًا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَوْلُودِ هُوَ الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْوَصْفَ إنَّمَا يُسَمَّى عِلَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ تَكَرَّرَ الْحُكْمُ بِهِ وَهَذَا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَقَوْلُهُ وَتَغَيَّرَ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْوَصْفِ حَالُ الْمَحَلِّ مَعًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَعْلُولِ رُتْبَةً فَهِيَ مُقَارِنَةٌ لَهُ فِي الْوُجُودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>