لَمْ يَكُنْ الدَّالُّ شَرِيكًا لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ مَحْضٍ وَمِثْلُ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ تَزَوَّجْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةٌ وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الدَّالِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ لِمَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ عِلَّةٍ وَكَذَلِكَ قُلْنَا فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا اسْتَوْلَدَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَجْعَلْ قِيمَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْوَاهِبِ لِأَنَّ هِبَتَهُ سَبَبٌ مَحْضٌ لَا يُضَافُ إلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الِاسْتِيلَادِ بِوَجْهٍ وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعِيرِ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا قُلْنَا
ــ
[كشف الأسرار]
الْعِلَّةُ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ بِوَجْهٍ كَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ مَحْضًا أَيْ سَبَبًا حَقِيقِيًّا وَهُوَ بَيَانُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَسْبَابِ مِثْلُ دَلَالَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ لِيَسْرِقَهُ فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ الدَّالُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ مَحْضٌ إذْ هِيَ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مَا هُوَ عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي يُبَاشِرُهُ الْمَدْلُولُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَكُنْ الدَّالُّ شَرِيكًا فِي الْمُصَابِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ طَرِيقٌ لِلْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى الدَّلَالَةِ وَهِيَ فِعْلُ الْقَوْمِ الصَّادِرِ عَنْ اخْتِيَارِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ فِي دَلَالَتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ شِرْكَةٌ فِي الْمُصَابِ إلَّا إذَا ذَهَبَ مَعَهُمْ وَدَلَّهُمْ عَلَى الْحِصْنِ فَحِينَئِذٍ يُشْرِكُهُمْ فِي الْمُصَابِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ إذًا تَسْبِيبٌ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا سَعَى إنْسَانٌ إلَى سُلْطَانٍ ظَالِمٍ فِي حَقِّ آخَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ حَتَّى غَرَّمَهُ مَالًا كَانَ السَّاعِي ضَامِنًا وَهُوَ صَاحِبُ سَبَبٍ مَحْضٍ لِتَخَلُّلِ فِعْلِ الْمُخْتَارِ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ كَمَا فِي دَلَالَةِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ لِغَلَبَةِ السُّعَاةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ دُونَ الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إذَا سَعَى إنْسَانٌ إلَى السُّلْطَانِ فِي حَقِّ آخَرَ حَتَّى غَرَّمَهُ مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُفْتُونَ أَنَّ السَّاعِيَ يَضْمَنُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ وَتَغْرِيمِ مَنْ سُعِيَ بِهِ إلَيْهِ يَضْمَنُ السَّاعِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا لَا يَضْمَنُ وَلَكِنْ نَحْنُ لَا نُفْتِي بِهِ فَإِنَّهُ خِلَافُ أُصُولِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَإِنَّ السَّعْي سَبَبٌ مَحْضٌ لِهَلَاكِ مَالِ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يُغَرِّمُهُ اخْتِيَارًا لَا طَبْعًا وَلَكِنْ لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَضْمِينَ السَّاعِي لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ فَنَحْنُ نَكِلُ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَنْزَجِرَ السُّعَاةُ عَنْ السَّعْيِ.
قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الَّذِي دَلَّ السَّارِقُ أَوْ الَّذِي دَلَّ عَلَى الْحِصْنِ رَجُلٌ قَالَ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمُتَزَوِّجِ عَلَى الدَّالِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ الَّتِي أَدَّاهَا إلَى الْمَالِكِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ مَحْضٍ فَإِنَّ إخْبَارَهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ وَلَكِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ وَهِيَ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي بَاشَرَهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِاخْتِيَارِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا رَجُلٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَيْ بِشَرْطِ أَنَّهَا حُرَّةٌ بِأَنْ قَالَ زَوَّجْتُكُمَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُسْتَوْلِدُ بِضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُزَوِّجِ
؛ لِأَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ عِلَّةٍ إذْ الِاسْتِيلَادُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّزْوِيجِ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ اللَّازِمِ لِهَذَا التَّزْوِيجِ فَيَكُونُ الِاسْتِيلَادُ بِنَاءً عَلَى التَّزْوِيجِ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ كَالتَّزْوِيجِ فَكَانَ الشَّارِطُ لَهَا صَاحِبَ عِلَّةٍ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا يَلْحَقُك بِسَبَبِ هَذَا الْعَقْدِ أَوْ يُقَالُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ إنَّمَا لَزِمَ بِالِاسْتِيلَادِ وَالِاسْتِيلَادُ حُكْمُ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ فَكَانَ الْمُزَوِّجُ صَاحِبَ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ قُلْنَا أَيْ وَكَمَا قُلْنَا إنَّ الْمُتَزَوِّجَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ قُلْنَا فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ الْجَارِيَةُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ الْمُسْتَوْلِدُ قِيمَةَ الْوَلَدِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْوَاهِبِ سَبَبٌ مَحْضٌ لِضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيلَادِ لَا بِالْهِبَةِ
وَالِاسْتِيلَادُ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute