للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقُلْنَا نَحْنُ بِأَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُسَبِّبِ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا الْقِسْمُ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أُضِيفَتْ إلَيْهِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ مَعَ كَوْنِهِ سَبَبًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ حَادِثَةٌ بِاخْتِيَارِ الْمُبَاشِرِ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ سَبَبًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ وَلِهَذَا لَمْ يَصْلُحْ لِإِيجَابِ مَا هُوَ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ.

وَإِذَا اعْتَرَضَ عَلَى السَّبَبِ عِلَّةٌ لَا يُضَافُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ كَانَ سَبَبًا مَحْضًا مِثْلُ دَلَالَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ عَلَى مَالِ رَجُلٍ لِيَسْرِقَهُ أَوْ لِيَقْطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ لِيَقْتُلَهُ وَمِثْلُ دَلَالَةِ الرَّجُلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِصْنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِوَصْفِ طَرِيقِهِ فَأَصَابُوهُ بِدَلَالَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِقَضَائِهِ أَوْ يُوجِبُهُ وَلَا إيجَادَ اخْتِيَارِ الْقَتْلِ مِنْ الْوَلِيِّ فَبَقِيَ فِعْلُهُ تَسْبِيبًا فَلَا يَجِبُ بِهِ مَا يَجِبُ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ بِطَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُسَبِّبِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ مَعَ أَنَّهَا جَزَاءٌ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَعْتَمِدُ الْمُبَاشَرَةَ فَالْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ جَزَاءٌ كَامِلٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِلْجَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَخَافُ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَبِهِ لَا يَصِيرُ مَلْجَأً فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا يُقِيمُ الطَّاعَةَ خَوْفًا مِنْ الْعُقُوبَةِ عَلَى تَرْكِهَا فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُكْرَهًا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا الْإِلْجَاءَ فِي حَقِّ الْقَاضِي فَلَا نُسَلِّمُ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ شَرْعًا فَثَبَتَ أَنَّ فِعْلَهُمْ تَسْبِيبٌ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ حُكْمًا

وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ حُكْمًا فَلَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْوَلِيُّ هَاهُنَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِشُبْهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَعَلَى الْمُبَاشِرِ حُكْمًا أَوْلَى أَنْ لَا يُلْزَمَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْقَتْلِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْوَلِيُّ لَا بِالشَّهَادَةِ وَحْدَهَا فَإِنَّ الْوَلِيَّ لَوْ لَمْ يَقْتُلْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدٍ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَتَلَ شُهُودَ الْقِصَاصِ بَعْدَمَا رَجَعُوا.

وَرُوِيَ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ فَقَالَا أُوهِمْنَا إنَّمَا السَّارِقُ هَذَا فَقَالَ لَا أُصَدِّقُكُمَا عَلَى هَذَا وَأُغَرِّمُكُمَا الدِّيَةَ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا عَلَى الْأَوَّلِ لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ أَنَّ الْعَمْدَ فِيهِ مُوجِبُ لِلْقِصَاصِ قُلْنَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَرِيبٌ جِدًّا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَوْ ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى السِّيَاسَةِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْيَدَيْنِ لَا يُقْطَعَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَلِمَا بَيْنَ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْعِلَّةِ فِيهَا فَقَالَ وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا الْقِسْمُ يَعْنِي شَهَادَةَ الشُّهُودِ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ حَتَّى صَلَحَ مُوجِبًا لِلدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقَتْلِ أُضِيفَتْ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بِهَا فَكَانَ اسْتِيفَاءً مُرَتَّبًا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَتَمْكِينِهِمْ إيَّاهُ مِنْهُ

فَصَارَ أَيْ هَذَا الْقِسْمُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ بِصَيْرُورَةِ الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ التَّلَفِ مُضَافَةً إلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ سَبَبًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ حَادِثَةٌ بِاخْتِيَارِ الْمُبَاشِرِ يَعْنِي بِاخْتِيَارِهِ الصَّحِيحِ. بِخِلَافِ حُدُوثِ مُبَاشَرَةِ الْمُكْرَهِ بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجْعَلُ الْإِكْرَاهَ سَبَبًا حَتَّى لَمْ يَمْتَنِعْ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُبَاشَرَةَ حَادِثَةٌ بِاخْتِيَارٍ فَاسِدٍ فَأَوْجَبَ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ أَيْ فِعْلُ الشَّهَادَةِ سَبَبًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ حَتَّى صَلَحَ لِإِيجَابِ مَا هُوَ ضَمَانُ الْمَحَلِّ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَمْ يَصْلُحْ لِإِيجَابِ مَا هُوَ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْإِرْثِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُبَاشَرَةُ وُجِدَتْ مِنْهُمْ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْفَرَاغِ عَنْ الْأَدَاءِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَمَا وَجَبَ بِهِ مُضَافٌ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوا الْحَاكِمَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ التَّلَفَ الْوَاقِعَ بِالْحُكْمِ تَلَفٌ حُكْمِيٌّ وَالْإِتْلَافُ الْحَقِيقِيُّ بِمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ وَهُوَ فِيهِ مُخْتَارٌ غَيْرُ مُلْجَأٍ حُكْمًا فَيَقْتَصِرُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الشُّهُودِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ ضَمَانُ الْقَتْلِ حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ (وَإِذَا اُعْتُرِضَ عَلَى السَّبَبِ) أَيْ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ طَرِيقٌ لِلْوُصُولِ إلَى الْحُكْمِ عِلَّةٌ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا وَلَا تُضَافُ تِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>