للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا لَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ لَهُ إلَى بَعْضِ الْمَهَالِكِ مِثْلُ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ الشَّوَاهِقِ فَعَطِبَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ كَانَ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ ضَامِنًا إذَا قُتِلَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ رَجُلًا لَمْ يَرْجِعْ عَاقِلَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ بِمَرَضٍ لَمْ تَضْمَنْ عَاقِلَةُ غَاصِبِهِ شَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا لَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ عَلَى دَابَّةٍ كَانَ سَبَبًا لِلتَّلَفِ فَإِنْ سَقَطَ مِنْهَا وَهِيَ وَاقِفَةٌ أَوْ سَارَتْ بِنَفْسِهَا ضَمِنَهُ عَاقِلَةُ الْحَامِلِ إذَا كَانَ صَبِيًّا يَسْتَمْسِكُ أَوْ لَا

ــ

[كشف الأسرار]

الْوِلَايَةَ عَلَى الْمُكَاتَبِ الصَّغِيرِ وَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرِ حُكْمًا حَتَّى لَا يُوَلَّى عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ وَلَا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُزَوَّجُ وَلَمَّا أُلْحِقَ بِالْكَبِيرِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ يَدٌ لِلْمُسْتَوْلِي؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي نَفْسِهِ أَقْرَبُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ فَتَبَيَّنَ بِمَا قُلْنَا أَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ وَالْحُرُّ يَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ مُبَاشَرَةً وَتَسْبِيبًا وَإِذَا قَتَلَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ رَجُلًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَتَّى ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَاقِلَتُهُ بِمَا ضَمِنَتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ الْقَتْلَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَوْ ثَبَتَ لِلْعَاقِلَةِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ كَانَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْحُرُّ لَا يَضْمَنُ بِالْيَدِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا لَا تَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ تَضْمَنْ إذَا مَاتَ الصَّبِيُّ بِمَرَضٍ لِمَا ذَكَرْنَا دَلِيلُ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يَعْنِي ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ سُقُوطِ السِّكِّينِ أَنَّ الدَّافِعَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ فِيهَا سَبَبٌ لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ لِإِضَافَةِ السُّقُوطِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ إلَى بَعْضِ الْمَهَالِكِ وَذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الصَّبِيِّ نَفْسَهُ أَنَّ الدَّافِعَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِاعْتِرَاضِ عِلَّةٍ تَمْنَعُ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الدَّفْعِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الصَّبِيِّ رَجُلًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَفِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الصَّبِيِّ فِي يَدِهِ بِمَرَضٍ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ مَنْ دَفَعَ سِكِّينًا فِي أَنَّهُ إذَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِعْلُ مُخْتَارٍ انْقَطَعَ الْحُكْمُ عَنْهُ وَبَقِيَ سَبَبًا مَحْضًا وَإِلَّا كَانَ سَبَبًا فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا حُرًّا عَلَى دَابَّةٍ وَقَالَ أَمْسِكْهَا لِي وَلَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ كَانَ هَذَا أَيْ حَمْلُهُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَيْهِ.

فَإِنْ سَقَطَ الصَّبِيُّ مِنْ الدَّابَّةِ وَهَلَكَ وَهِيَ وَاقِفَةٌ وَقَدْ سَارَتْ بِنَفْسِهَا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْحَامِلِ أَيْ دِيَةَ الصَّبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ أَيْ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِ نَفْسِهِ وَضَبْطِهَا وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ سَبَبٌ لِإِتْلَافِهِ حِينَ حَمَلَهُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَوْلَا حَمْلُهُ لَمَا سَقَطَ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبِيلٍ مِنْهُ شَرْعًا وَلَمْ تُوجَدْ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا بَعْدُ فَبَقِيَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِ وَصَارَ الْحَامِلُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ كَالْمُبَاشِرِ فِي هَذَا الْبَابِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ سَاقَهَا الصَّبِيُّ وَهُوَ بِحَيْثُ يَصْرِفُهَا أَيْ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِ الدَّابَّةِ مِنْ السَّيْرِ وَعَلَى أَنْ يُسَيِّرَهَا عَلَى وَفْقِ إرَادَتِهِ انْقَطَعَ السَّبَبُ أَيْ لَمْ يَبْقَ السَّبَبُ مُعْتَبَرًا بِهَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ الْحَادِثَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ مُسْتَمْسِكًا عَلَى الدَّابَّةِ كَانَ مُحْتَارًا فِي تَسْيِيرِ الدَّابَّةِ وَالتَّلَفُ حَدَثَ تَسْيِيرُهَا فَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى السَّبَبِ فِعْلٌ مُخْتَارٌ فَانْقَطَعَ بِهِ نِسْبَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ ضَمِنَ الْحَامِلُ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَتَاعٍ مَوْضُوعٍ عَلَيْهَا فَلَا يُمْكِنُ نِسْبَةُ السَّيْرِ إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُ بِهِ نِسْبَةَ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ بَقِيَ مُضَافًا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ دَافِعِ السِّكِّينِ أَوْ الْحَامِلِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا رَجُلٌ قَالَ لِصَبِيٍّ اصْعَدْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَانْفُضْ ثَمَرَتَهَا لِتَأْكُلَ أَنْتَ أَوْ لِنَأْكُلَ نَحْنُ فَفَعَلَ فَعَطِبَ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ فَإِنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّقُوطِ وَالْهَلَاكِ مَا هُوَ عِلَّةٌ وَهُوَ صُعُودُ الصَّبِيِّ الشَّجَرَةَ بِاخْتِيَارِهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَيَنْقَطِعُ نِسْبَةُ الْحُكْمِ بِهَا عَنْ السَّبَبِ.

فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ فِي قَوْلِهِ لِتَأْكُلَ أَنْتَ وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِ لِنَأْكُلَ نَحْنُ لَا يَسْتَقِيمُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ نِصْفُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِآكُلَ أَنَا يُوجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ.

وَقَوْلُهُ: لِتَأْكُلَ أَنْتَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا فَإِذَا قَالَ لِنَأْكُلَ نَحْنُ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ فَيُوجِبُ سُقُوطَ نِصْفِهِ كَمَا إذَا لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ وَجَرَحَهُ إنْسَانٌ يَسْقُطُ نِصْفُ الضَّمَانِ لِاجْتِمَاعِ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ (قُلْنَا) الْأَصْلُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ السَّبَبِ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهَاهُنَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الْإِضَافَةُ؛ لِأَنَّ صُعُودَ الصَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>