للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَإِنْ سَاقَهَا الصَّبِيُّ وَهُوَ بِحَيْثُ يَصْرِفُهَا انْقَطَعَ التَّسْبِيبُ بِهَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ الْحَادِثَةِ وَكَذَلِكَ رَجُلٌ قَالَ لِصَبِيٍّ اصْعَدْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَانْفُضْ ثَمَرَتَهَا لِتَأْكُلَ أَنْتَ أَوْ لِنَأْكُلَ نَحْنُ فَفَعَلَ فَعَطِبَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ وَلَوْ قَالَ لِآكُلَ أَنَا ضَمِنَ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ لَمَّا وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ لَهُ وَمَسَائِلُنَا عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى.

فَأَمَّا الَّذِي يُسَمَّى سَبَبًا مَجَازًا فَمِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَمِثْلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَمِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ سُمِّيَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ سَبَبًا مَجَازًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا وَالْيَمِينُ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ وَذَلِكَ قَطُّ لَا يَكُونُ طَرِيقًا لِلْجَزَاءِ وَلَا لِلْكَفَّارَةِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَئُولَ إلَيْهِ سُمِّيَ سَبَبًا مَجَازًا

ــ

[كشف الأسرار]

بِاخْتِيَارِهِ لِمَنْفَعَةِ دُرِّ نَفْسِهِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ صَالِحٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ السَّبَبِ وَإِنْ كَانَ إشْرَاكُ الْأَمْرِ نَفْسِهِ فِي الْمَنْفَعَةِ بِقَوْلِهِ لِنَأْكُلَ نَحْنُ صَالِحًا لِلْإِضَافَةِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ سَبَبٌ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ السَّبَبِ فَأَمَّا الْجَرْحُ وَاللَّدْغُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ لِلتَّلَفِ فَإِذَا اجْتَمَعَا وَتَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْأَمْرَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ لَمَّا وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ لَهُ يَعْنِي لَمَّا وَقَعَتْ مُبَاشَرَةُ الصَّبِيِّ عِلَّةَ التَّلَفِ وَهِيَ الصُّعُودُ لِلْأَمْرِ بِحُكْمِ الْأَمْرِ صَارَ الْأَمْرُ مُسْتَعْمَلًا لَهُ فِي التَّلَفِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ وَأُضِيفَ فِعْلُ الصَّبِيِّ إلَيْهِ فَصَارَ أَمْرُهُ سَبَبًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ بِإِضَافَةِ الْعِلَّةِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ الْمَحْضَ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَيُضَافُ إلَى السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي يُسَمَّى سَبَبًا مَجَازًا) أَيْ السَّبَبُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَا الْقِسْمُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَقْسَامِ سِوَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَجَازًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ خَلَا عَنْ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ فِيهِ مَوْجُودٌ مَعَ زِيَادَةِ مَعْنًى وَهُوَ التَّأْثِيرُ وَمِثْلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ النَّذْرُ قَدْ يُعَلَّقُ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ كَذَا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِشَرْطِ الْإِيرَادِ كَوْنُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَيَّ كَذَا وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ إذْ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيقِ حُصُولُ الشَّرْطِ فَكَانَ مَقْضِيًّا إلَى وُجُودِ الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ عَدَمُ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَى وُجُودِ الْمَشْرُوطِ فَيَكُونُ تَسْمِيَتُهُ سَبَبًا مَجَازًا فَأَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ الْمُعَلَّقُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ إلَى أَنَّ الْوَجْهَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ فِي الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَصِلْ إلَى ذِمَّتِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فَكَانَ تَسْمِيَتُهُ سَبَبًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَبَيْعِ الْحُرِّ إلَّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ تَصَرُّفٌ آخَرُ وَهُوَ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ لِمَقْصُودٍ وَفِي ذَلِكَ الْمَقْصُودِ قَدْ صَادَفَ التَّصَرُّفَ مَحَلَّهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا وَكَانَ هَذَا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْمَى فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعْتَبَرًا عَلَى أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالْوُصُولِ إلَيْهِ ثُمَّ السِّرَايَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّهِ فَلَا يَكُونُ قَتْلًا وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تُرْسٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا كَذَا فِي التَّقْوِيمِ.

وَمِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى سُمِّيَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ يَعْنِي قَبْلَ الْحِنْثِ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ مَجَازًا يَعْنِي سُمِّيَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِلْكَفَّارَةِ وَسُمِّيَ الْمُعَلَّقُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى سَبَبًا لِلْجَزَاءِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَا أَنَّ الْيَمِينَ أَوْ الْمُعَلَّقَ سَبَبٌ حَقِيقَةً لِمَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ وَإِنَّمَا قَالَ أَدْنَى؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ حَقِيقَةً أَوْ السَّبَبَ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ أَوْ طَرِيقٌ إلَيْهِ مَعَ نَوْعِ تَأْثِيرٍ فَاَلَّذِي لَا تَأْثِيرَ فِيهِ يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّبَبِيَّةِ حَقِيقَةً وَالْيَمِينُ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ سَوَاءٌ كَانَتْ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْبِرُّ قَطُّ لَا يَكُونُ طَرِيقًا لِلْجَزَاءِ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا لِلْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَبِدُونِ الْحِنْثِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَانِعُ عَنْ الْحُكْمِ سَبَبًا لِثُبُوتِهِ وَطَرِيقًا إلَيْهِ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ أَيْ الْحَلِفَ أَوْ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ أَوْ الْيَمِينُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَئُولَ إلَيْهِ أَيْ يُفْضِيَ إلَى الْحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>