للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى قَوْلِهِ لَا شُبْهَةَ لَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا الْمِلْكُ لِلْحَالِ اُعْتُبِرَ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الْوُجُودِ لِيَصِحَّ الْإِيجَابُ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لِلْبَقَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَعَرَفْنَا أَنَّ لِهَذَا السَّبَبِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ شُبْهَةَ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَلَا يُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّهُ ثَبَتَ لِلْبِرِّ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْتُمْ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْجَزَاءِ بِقَدْرِهَا عَرَضِيَّةُ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْجَزَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِفَوَاتِ الْبِرِّ بَعْدَ الثُّبُوتِ لَا بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْغَمُوسِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْبِرِّ فِيهَا أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ الْمُنْعَقِدَةِ وَعَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ لِلْبِرِّ لَوْ ثَبَتَتْ إنَّمَا تَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْبِرِّ غَيْرَ وَاجِبٍ لِعَيْنِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ لَا أَنْ تَثْبُتَ لَهُ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ بَعْدَ الْوُجُودِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَثْبُتْ عَرَضِيَّةُ الْوُجُودِ لِلْجَزَاءِ بِهَذِهِ الْعَرَضِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا ذَكَرْت مُسَلَّمٌ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ فِي التَّعْلِيقِ قَدْ يَثْبُتُ الْجَزَاءُ عِنْدَ عَدَمِ الْبِرِّ مِنْ الْأَصْلِ كَمَا يَثْبُتُ عِنْدَ فَوَاتِ الْبِرِّ بَعْدَ الْوُجُودِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت أَمْسِ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَقَدْ كَانَ فَعَلَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَعَرَضِيَّةُ عَدَمِ الْبِرِّ فِيهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ تُوجِبُ عَرَضِيَّةَ وُجُودِ الْجَزَاءِ بِقَدْرِهَا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ ثُبُوتِ شُبْهَةِ السَّبَبِيَّةِ لِلْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ يَبْقَ شُبْهَةُ السَّبَبِ إلَّا فِي مَحَلِّهِ أَيْ مَحَلِّ السَّبَبِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الشُّبْهَةِ وَتَذْكِيرُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَى التَّذْكِيرِ إذْ لَا يُقَالُ شَبَهٌ وَشُبْهَةٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ لِشُبْهَةِ السَّبَبِ مِنْ مَحَلٍّ يَبْقَى فِيهِ كَمَا لَا بُدَّ لِحَقِيقَةِ السَّبَبِ مِنْ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الشَّيْءِ لَا تَثْبُتُ فِيمَا لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ شُبْهَةَ النِّكَاحِ لَا تَثْبُتُ فِي الرِّجَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ عِنْدَهُمَا وَأَنَّ شُبْهَةَ الْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِيهِمَا فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ بَطَلَ أَيْ التَّعْلِيقُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَطَلَتْ أَيْ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ أَوْ الْيَمِينَ يَثْبُتُ بِصِفَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُعَلَّقِ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ لَمْ يَبْقَ التَّعْلِيقُ لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْجَزَاءِ كَمَا يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ جَعَلَ الدَّارَ بُسْتَانًا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاءُ الْمِلْكِ لِبَقَاءِ التَّعْلِيقِ كَمَا شَرَطَ الْحِلَّ؛ لِأَنَّ مَحَلِّيَّةَ الطَّلَاقِ تَثْبُتُ بِمَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ وَمَحَلِّيَّةُ النِّكَاحِ تَفْتَقِرُ إلَى بَقَاءِ الْحِلِّ وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى بَقَاءِ الْمِلْكِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ وَشَرْطُ الْمِلْكِ فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا سَنَذْكُرُ.

قَوْلُهُ (وَعَلَى قَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ زُفَرَ لَا شُبْهَةَ لَهُ أَصْلًا يَعْنِي لَيْسَ لِهَذَا الْمَجَازِ شُبْهَةُ الْحَقِيقَةِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلسَّبَبِ، وَشُبْهَتُهُ مِنْ مَحَلٍّ يَنْعَقِدُ فِيهِ كَالسَّبَبِ الْحِسِّيِّ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ حَائِلٌ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَمَحَلِّهِ فَأَوْجَبَ قَطْعَ السَّبَبِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَالتُّرْسِ إذَا حَالَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْمَرْمِيِّ إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ جِهَةُ السَّبَبِيَّةِ بِوَجْهٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَحَلِّ وَاحْتِمَالُ صَيْرُورَتِهِ سَبَبًا فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ اشْتِرَاطَ الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ بَلْ يَكْفِيهِ احْتِمَالُ حُدُوثِ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ قَائِمٌ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهَا إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَهُوَ فِي الْحَالِ يَمِينٌ وَمَحَلُّهَا ذِمَّةُ الْحَالِفِ فَتَبْقَى بِبَقَائِهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا الْمِلْكُ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَمَّا خَلَا الْمُعَلَّقُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ حَقِيقَةً وَشُبْهَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْمِلْكُ وَالْحِلُّ فِي ابْتِدَاءِ التَّعْلِيقِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ لَمَّا شَرَطَ الْمِلْكَ وَالْحِلَّ فِي ابْتِدَاءٍ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ يَحُلْ عَنْ شُبْهَةِ السَّبَبِيَّةِ فَقَالَ اشْتِرَاطُ الْمِلْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>