للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ مِنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْحُكْمِ بَلْ الْوَاجِبُ اقْتِرَانُهُمَا مَعًا وَذَلِكَ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ عِنْدَنَا فَإِذَا تَقَدَّمَ لَمْ يُسَمَّ عِلَّةً مُطْلَقَةً وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ

وَقَالَ لَا بَلْ مِنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ يَعْقُبُهَا وَلَا يُقَارِنُهَا بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَرَضٌ لَا بَقَاءَ لَهَا لِيَكُونَ الْفِعْلُ عَقِيبَهَا فَلِضَرُورَةِ عَدَمِ الْبَقَاءِ تَكُونُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ فَأَمَّا الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَهَا بَقَاءٌ وَأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ فَيُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهَا وَتَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْهَا بِلَا فَصْلٍ

ــ

[كشف الأسرار]

وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْمَعْنَى كَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَوْ الِاصْطِلَاحِيَّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ.

قَوْلُهُ (وَلَيْسَ مِنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْحُكْمِ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ عَقْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ شَرْعِيَّةً تَتَقَدَّمُ فِي الْمَعْلُولِ رُتْبَةً وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ تُقَارِنُ مَعْلُولَهَا زَمَانًا كَحَرَكَةِ الْأُصْبُعِ تُقَارِنُ حَرَكَةَ الْخَاتَمِ وَفِعْلُ التَّحَرُّكِ يُقَارِنُ صَيْرُورَةَ الْفَاعِلِ مُتَحَرِّكًا وَكَالْكَسْرِ يُقَارِنُ الِانْكِسَارَ وَكَالِاسْتِطَاعَةِ تُقَارِنُ الْفِعْلَ إذْ لَوْ لَمْ يَكُونَا مُتَقَارِنَيْنِ لَزِمَ بَقَاءُ الْأَغْرَاضِ أَوْ وُجُودُ الْمَعْلُولِ بِلَا عِلَّةٍ وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَى مَعْلُولِهَا وَتَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْهَا تَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا زَمَانِيًّا فَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهَا مِثْلُ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْوَاجِبُ كَذَا يَعْنِي الْوَاجِبَ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ اقْتِرَانُ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ عِنْدَنَا كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ وَالْفِعْلِ اقْتِرَانُهُمَا عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِذَا تَقَدَّمَتْ أَيْ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى الْحُكْمِ لَمْ تُسَمَّ عِلَّةً مُطْلَقَةً أَيْ تَامَّةً حَقِيقِيَّةً بَلْ تُسَمَّى عِلَّةً مَجَازًا أَوْ سَبَبًا فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَغَيْرِهِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَيْ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَوْ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ فَلَمْ يُجَوِّزْ تَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَوْ تَرَاخِي الْفِعْلِ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْ الْحُكْمِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَتَّصِلَ الْحُكْمُ بِهَا وَيَتَأَخَّرَ عَنْهَا لِمَانِعٍ.

كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى جَوَازِ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْهَا عِنْدَهُمْ دُونَ الْوُجُوبِ وَإِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَى وُجُوبِ التَّأَخُّرِ وَعَدَمِ جَوَازِ الْمُقَارَنَةِ عِنْدَهُمْ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ حُكْمُ الْعِلَّةِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْعِلَّةِ بِلَا فَصْلٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَجْهُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِلَّةَ مَا لَمْ تُوجَدْ بِتَمَامِهَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً حُكْمَهَا؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يُؤَثِّرُ فِي شَيْءٍ وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ تُوجِبُ الْحُكْمَ بَعْدَ وُجُودِهَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ عَقِيبَهَا ضَرُورَةً وَإِذَا جَازَ تَقَدُّمُهَا بِزَمَانٍ جَازَ بِزَمَانَيْنِ وَأَزْمِنَةٍ بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَرَضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِمُقَارَنَةِ الْفِعْلِ إيَّاهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ وُجُودُ الْمَعْلُولِ بِلَا عِلَّةٍ أَوْ خُلُوُّ الْعِلَّةِ عَنْ الْمَعْلُولِ فَأَمَّا الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ فَمَوْصُوفَةٌ بِالْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْيَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ الْوَدِيعَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ جَائِزٌ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَقَاءٌ شَرْعًا لَمَا تُصُوِّرَ فَسْخُهَا بَعْدَ مُدَّةٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْهَا مَا لَزِمَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَيُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهَا وَتَرَاخَى الْحُكْمِ عَنْهَا بِلَا فَصْلٍ أَيْ بِلَا لُزُومِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ بَاقِيَةً وَقْتَ وُجُودِ الْحُكْمِ ثَبَتَ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةً وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ مُقَارَنَةُ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ مَعْلُولَهَا وَمُقَارَنَةُ الِاسْتِطَاعَةِ الْفِعْلَ وَالْأَصْلُ اتِّفَاقُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مُقَارِنَةً لِحُكْمِهَا أَيْضًا عَلَى أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَعْرَاضٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَانَتْ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي عَدَمِ قَبُولِ الْبَقَاءِ.

وَمَا قَالُوا إنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>