للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا فَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ الْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ.

وَأَمَّا الْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا فَمِثْلُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَشْرُوعٌ وَمَعْنًى لِأَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً وَشَرْعًا وُضِعَ لِحِكْمَةٍ وَذَلِكَ مَعْنَاهُ لَا حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَهُ تُرَاخَى لِمَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ عِلَّةً لَا سَبَبًا وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لِأَنَّ الشَّرْطَ دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّ دُخُولَ الشَّرْطِ فِيهِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَلَوْ جُعِلَ دَاخِلًا لَا عَلَى السَّبَبِ لَدَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ أَيْضًا وَإِذَا دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى السَّبَبِ وَكَانَ أَقَلُّهُمَا أَوْلَى فَبَقِيَ السَّبَبُ مُطْلَقًا فَلِذَلِكَ كَانَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَدَلَالَةُ كَوْنِهِ عِلَّةً لَا سَبَبًا مَا قُلْنَا أَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ حِينِ الْإِيجَابِ

ــ

[كشف الأسرار]

مَوْصُوفَةٌ بِالْبَقَاءِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَلَامٌ مَخْلُوقٌ وَلَا بَقَاءَ لَهُ حَقِيقَةً فَلَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ حُكْمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَى بَقَائِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْحُكْمِ وَأَنَّهُ يَبْقَى بِلَا سَبَبٍ؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ يَبْقَى حَتَّى يُوجَدَ مَا يَرْفَعُهُ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْفَسْخُ يَرِدُ عَلَى الْحُكْمِ فَيُبْطِلُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْعَقْدِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ بِالْبَقَاءِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ فَذَلِكَ ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ إلَى فَسْخِ أَحْكَامِهَا إذْ فَسْخُ الْحُكْمِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِفَسْخِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ بِمُنْعَقِدٍ حَتَّى يُمْكِنَ فَسْخُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْبَقَاءُ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ أَشَارَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الَّذِي) أَيْ الْقِسْمُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا فَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ الْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ وَالْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ اسْمًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْعِلَّةِ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ يُضَافُ إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ الْوَاقِعُ يُضَافُ إلَى التَّطْلِيقِ أَوْ لِلْإِعْتَاقِ السَّابِقِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحِنْثِ وَلَا حُكْمًا.

وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحُرِّ عِلَّةٌ اسْمًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا مَعْنًى وَلَا حُكْمًا لِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْحُكْمِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِلَّةُ مَعْنًى وَحُكْمًا مَا يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ تَقَرُّرِهِ لَا عِنْدَ ارْتِفَاعِهِ وَبَعْدَ الْحِنْثِ لَا يَبْقَى الْيَمِينُ بَلْ تَرْتَفِعُ وَكَذَا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَبْقَى الْيَمِينُ فَكَيْفَ يَكُونُ عِلَّةً مَعْنًى وَحُكْمًا.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا فَمِثْلُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ) كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَشْرُوعَ هُوَ أَنْ يُوجَدَ رُكْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَقَدْ وُجِدَ وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً وَشَرْعًا وُضِعَ لِحِكْمَةٍ وَذَلِكَ مَعْنَاهُ أَيْ أَثَرُ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً وَشَرْعًا مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا الْبَيْعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْحَالِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْبَيْعِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ بِتَوَقُّفِ إعْتَاقِهِ وَلَا يَبْطُلُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا لَمَا تَوَقَّفَ وَبَطَلَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ عِلَّةٌ مَعْنًى وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَحْنَثُ كَذَا فِي إجَازَاتِ الْأَسْرَارِ لَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَيْ حُكْمَهُ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ الْبَاتِّ تَرَاخَى إلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ لِمَانِعٍ وَهُوَ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحْتَرَمٌ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ الْبَاتُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ لِخُرُوجِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ بِدُونِ رِضَاهُ.

فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَازَةِ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهَذَا الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ أَيْ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَمْلِكَهُ الْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ جَمِيعًا فَيَظْهَرُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ عِلَّةً لَا سَبَبًا يَعْنِي لَا يُتَوَهَّمُ بِتَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْهُ أَنَّهُ سَبَبٌ لَا عِلَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ يَتَأَخَّرُ حُكْمُهَا الْمَانِعُ فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ صَحِيحٌ مِنْ الْمَالِكِ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا وَهَذَا تَأَخَّرَ لِمَانِعٍ وَهُوَ الْخِيَارُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ سَبَبٌ أَيْ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ إلَى إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامِ أُخَرَ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حُكْمَهُ تَرَاخَى لِمَانِعٍ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْصِيصِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>