للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ كُلُّ إيجَابٍ مُضَافٍ إلَى وَقْتٍ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ وَذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ رُكْنُ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى وَتَرَاخَى عَنْهُ وَصْفُهُ فَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ إلَى وُجُودِهِ.

وَإِذَا وُجِدَ الْوَصْفُ اتَّصَلَ بِالْأَصْلِ لِحُكْمِهِ فَكَانَ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ حَتَّى يَصِحَّ أَدَاءُ الْحُكْمِ قَبْلَهُ

ــ

[كشف الأسرار]

وَانْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَلِذَلِكَ يَقْتَصِرُ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى حَالِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْغَيْرِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَافِ إلَى مَعْدُومٍ سَيُوجَدُ كَالْوَصِيَّةِ الْمُضَافَةِ إلَى مَا يُثْمِرُ نَخِيلَهُ الْعَامَ وَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى شَهْرٍ وَإِذَا تَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ثَبَتَ فِيهِ شَبَهُ السَّبَبِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الِانْعِقَادِ إلَى زَمَانٍ سَيُوجَدُ تُوجِبُ عَدَمَ الْعِلِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ مَا وُجِدَ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ بِوَاسِطَةِ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوف وَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ انْعِقَادَهُمَا ثَبَتَ فِي الْحَالِ لِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِمَا إلَى إثْبَاتِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ فَاسْتَنَدَ الْحُكْمُ فِيهَا إلَى زَمَانِ الْإِيجَابِ وَاقْتَصَرَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى زَمَانِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَلَا يُقَالُ لَمَّا ثَبَتَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي هَذَا الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَثْبُتَ الْإِضَافَةُ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ لِقِيَامِ مَحَلِّهَا وَهُوَ الذِّمَّةُ فَيَثْبُتُ مِلْكُ الْأُجْرَةِ بِهِ فِي الْحَالِ كَمَا يَثْبُتُ مِلْكُ الثَّمَنِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَحْنُ لَا نُثْبِتُ الْإِضَافَةَ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ وَلَكِنْ لَا نُثْبِتُ مِلْكَ الْأُجْرَةِ فِي الْحَالِ رِعَايَةً لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ وَنَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يَثْبُتُ مِلْكُ الْأُجْرَةِ لِلْمُؤَاجِرِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْمُؤَاجِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ بِقَبُولِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ فَلَمْ تَبْقَ الْمُعَادَلَةُ وَاجِبَةَ الرِّعَايَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخِيَارُ قَائِمٌ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مَعَ الْمَانِعِ كَالْمَدْيُونِ إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَا يَقَعُ زَكَاةً بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ الدَّيْنُ قَائِمٌ فَأَمَّا الْمَانِعُ هَاهُنَا فَحَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَدْ سَقَطَ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَعَقْدِ الْإِجَارَةِ كُلُّ إيجَابٍ مُضَافٍ إلَى وَقْتٍ كَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى وَقْتٍ وَكَالنَّذْرِ الْمُضَافِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِلَّةٌ اسْمًا لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِلْحُكْمِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِتَأْثِيرِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا حُكْمًا لِتَأَخُّرِهِ إلَى الزَّمَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ لَمَّا قُلْنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْدِيرًا أَوْجَبَتْ شَبَهِيَّةَ السَّبَبِ فَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَلَمَّا ثَبَتَ مَعْنَى السَّبِيبَةِ فِي هَذَا الْإِيجَابِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الْإِيجَابِ وَلَمَّا كَانَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ صَحَّ تَعْجِيلُ الْأَدَاءِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ غَدًا حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ وَقَعَ عَنْ الْمَنْذُورِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَكَأَدَاءِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ أَضَافَ النَّذْرَ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالصَّلَاةِ إلَى زَمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَهُ فَكَذَا مَا تُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>