للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ مِثْلُ زَكَاةِ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى أَمَّا اسْمًا لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَمَعْنًى لِكَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهِ لِأَنَّ الْغَنَاءَ يُوجِبُ الْمُوَاسَاةَ لَكِنَّهُ جُعِلَ عِلَّةً بِصِفَةِ النَّمَاءِ فَلَمَّا تَرَاخَى حُكْمُهُ أَشْبَهَ الْأَسْبَابَ أَلَا يُرَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَرَاخَى إلَى مَا لَيْسَ بِحَادِثٍ بِهِ إلَى مَا هُوَ شَبِيهٌ بِالْعِلَلِ

ــ

[كشف الأسرار]

أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ إنَّ النَّاذِرَ يَلْتَزِمُ بِنَذْرِهِ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ دُونَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَا فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ مُعْتَبَرًا كَمَا فِي الصَّدَقَةِ.

وَلَا يُقَالُ الْعِبَادَةُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّذْرُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْفَضِيلَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ فَصَامَ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَوْمًا دُونَهُ فِي الْفَضِيلَةِ عَنْ مُوجِبِ نَذْرِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِيمَا بَعْدُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ الْفَرْضِ وَالصَّلَاةِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْوَقْتَ سَبَبًا فِيهِمَا فَأَدَاؤُهُمَا قَبْلَ الْوَقْتِ كَانَ أَدَاءً قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَجُوزُ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَانَ ذَلِكَ أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْإِيجَابِ الْمُضَافِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فَقَالَ ذَلِكَ أَيْ الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يُوجَدَ رُكْنُ الْعِلَّةِ وَيَتَرَاخَى عَنْهُ وَصْفُهُ فَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى وُجُودِ الْوَصْفِ فَمِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْأَصْلِ كَانَ الْمَوْجُودُ عِلَّة؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ فَبِعَدَمِهِ لَا يَنْعَدِمُ الْأَصْلُ وَلِهَذَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ دُونَ الْوَصْفِ مَنْ حَيْثُ إنَّ إيجَابَهُ لِلْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهُوَ مُنْتَظَرٌ بَعْدُ كَانَ الْأَصْلُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى الْحُكْمِ فَكَانَ سَبَبًا

فَإِذَا وُجِدَ الْوَصْفُ اتَّصَلَ بِالْأَصْلِ بِحُكْمِهِ أَيْ إذَا وُجِدَ الْوَصْفُ وَثَبَتَ الْحُكْمُ اتَّصَلَا بِالْأَصْلِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إذْ الْوَصْفُ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْأَصْلُ بِذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةً فَكَانَ أَيْ الْأَصْلُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ لِتَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى وَاسِطَةٍ وَهِيَ الْوَصْفُ

وَقَوْلُهُ حَتَّى يَصِحَّ أَدَاءُ الْحُكْمِ أَيْ الْوَاجِبِ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْوَصْفِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَنْ يُوجَدَ رُكْنُ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى وَيَتَرَاخَى عَنْهُ وَصْفُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ أَيْ لَهُ حُكْمُ الْأَسْبَابِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْوَصْفِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ بِدُونِ الْوَصْفِ عِلَّةٌ حَتَّى صَحَّ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ.

وَذَلِكَ أَيْ مَا يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ مِنْ الْعِلَّةِ مِثْلُ نِصَابِ الزَّكَاةِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ النِّصَابُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ حُكْمَ الْعِلَّةِ بَلْ كَوْنُهُ نَامِيًا بِالْحَوْلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَتَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النِّصَابُ قَبْلَ الْحَوْلِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لَيْسَ فِيهَا شَبَهُ الْأَسْبَابِ بَلْ الْحَوْلُ أَجَلُ آخِرِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ تَيْسِيرًا كَالسَّفَرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَلِهَذَا صَحَّ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ وَصْفُ كَوْنِهِ حَوْلِيًّا مِنْ الْعِلَّةِ لَمَا صَحَّ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ تَمَامِ النِّصَابِ وَقَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِبِلَ سَائِمَةً

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى حُلُولِ الْأَجَلِ كَالْمَدْيُونِ إذَا عَجَّلَ الدَّيْنَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ صَحَّ فَرْضًا كَالْمُقِيمِ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِذَا وَقَعَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَا مِنْ الْإِمَامِ عِنْدَ هَلَاكِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ عَدَمِ تَمَامِهِ عِنْدَ الْحَوْلِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ وَكُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النِّصَابَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُعَجَّلَ إلَى الْفَقِيرِ مِنْهُ إذَا بَيَّنَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مُعَجَّلًا وَإِنْ أَطْلَقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَسْرَارِ بَعْضَ أَقْوَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>