وَلَمَّا كَانَ مُتَرَاخِيًا إلَى وَصْفٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَشْبَهَ الْعِلَلَ وَكَانَ هَذَا الشَّبَهُ غَالِبًا لِأَنَّ النِّصَابَ أَصْلٌ وَالنَّمَاءَ وَصْفٌ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْبُيُوعِ وَلَمَّا أَشْبَهَ الْعِلَلَ وَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا كَانَ الْوُجُوبُ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ فِي التَّقْدِيرِ حَتَّى صَحَّ التَّعْجِيلُ لَكِنْ لِيَصِيرَ زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ.
ــ
[كشف الأسرار]
وَعِنْدَنَا هُوَ عِلَّةٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَلَكِنْ لَهُ شَبَهُ الْأَسْبَابِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ النِّصَابَ وُضِعَ لَهُ أَيْ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ شَرْعًا وَلِهَذَا تُضَافُ الزَّكَاةُ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِكَوْنِ النِّصَابِ مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ إذْ الْغَنَاءُ يُوجِبُ الْمُوَاسَاةَ أَيْ الْإِحْسَانَ إلَى الْغَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحْسِنُوا - وَأَنْفِقُوا} [البقرة: ١٩٥] وَالْغَنَاءُ فِي النِّصَابِ دُونَ وَصْفِهِ وَهُوَ النَّمَاءُ وَفِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ آسَيْته لِمَالِي مُؤَاسَاةً أَيْ جَعَلْته أُسْوَةً أَقْتَدِي بِهِ وَيَقْتَدِي هُوَ بِي أَوْ وَاسَيْته، لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ لَكِنَّهُ أَيْ النِّصَابَ عِلَّةٌ بِصِفَةِ النَّمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» فَلَمَّا تَرَاخَى حُكْمُهُ أَيْ حُكْمُ النِّصَابِ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إلَى وُجُودِ وَصْفِ النَّمَاءِ أَشْبَهَ النِّصَابَ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ الْأَسْبَابِ ثُمَّ أَوْضَحَ مُشَابَهَتَهُ بِالْأَسْبَابِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْوُجُوبُ إنَّمَا تَرَاخَى عَنْ أَصْلِ النِّصَابِ إلَى مَا لَيْسَ بِحَادِثٍ بِالنِّصَابِ وَهُوَ النَّمَاءُ فَإِنَّ النَّمَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَالسِّمَنُ فِي الْإِسَامَةِ وَزِيَادَةُ الْمَالِ فِي التِّجَارَةِ وَالنَّمَاءُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ حَوَلَانُ الْحَوْلِ لَا يَثْبُتَانِ بِالنِّصَابِ بَلْ السِّمَنُ وَالدَّرُّ وَالنَّسْلُ فِي الْحَيَوَانِ يَحْصُلُ بِسَوْمِهَا فِي الْمَرْعَى وَسَفَادِهَا، وَزِيَادَةُ الْمَالِ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ يَحْصُلُ بِكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ الْحَادِثِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَهُوَ النَّمَاءُ حَادِثًا بِالْمَالِ تَأَكَّدَ الِانْفِصَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَوِيَ شَبَهُهُ بِالسَّبَبِ وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرَّمْيِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلْجَرْحِ وَإِنْ تَوَقَّفَ الْجَرْحُ عَلَى تَحَرُّكِ السَّهْمِ وَمُضِيِّهِ فِي الْهَوَاءِ وَوُصُولِهِ إلَى الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ وَنُفُوذِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَسَائِطِ لَمَّا حَدَثَتْ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بَلْ جُعِلَ عِلَّةً لِلْجَرْحِ حَقِيقَةً كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ تَرَاخَى إلَى مَا هُوَ شَبِيهٌ بِالْعِلَلِ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فَضْلٌ عَلَى الْغَنَاءِ يُوجِبُ الْمُوَاسَاةَ كَأَصْلِ الْغَنَاءِ وَيَثْبُتُ أَوْ يَزْدَادُ بِهِ الْيُسْرُ فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِيهِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ أَثَرًا لَهُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَرَاخِيًا إلَى مَا هُوَ عِلَّةٌ حَقِيقَةً غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى النِّصَابِ كَانَ النِّصَابُ سَبَبًا حَقِيقِيًّا كَمَا بَيَّنَّا فِي دَلَالَةِ السَّارِقِ فَإِذَا تَرَاخَى إلَى مَا هُوَ شَبَهٌ بِالْعِلَلِ كَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ أَيْضًا ثُمَّ بَيَّنَ جِهَةَ الْعِلِّيَّةِ فِي النِّصَابِ وَجِهَةَ أَصَالَتِهَا فَقَالَ وَلَمَّا كَانَ أَيْ الْحُكْمُ مُتَرَاخِيًا إلَى وَصْفٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَشْبَهَ أَيْ النِّصَابُ الْعِلَلَ إذْ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ أَنْ يَتَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى السَّبَبِ كَمَا فِي دَلَالَةِ السَّارِقِ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَانَ شَبَهُ الْعِلَّةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ النِّصَابَ أَصْلٌ وَالنَّمَاءَ وَصْفٌ يَعْنِي النِّصَابَ شَبَهُ الْعِلَلِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَشَبَهُ السَّبَبِ مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى النَّمَاءِ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ وَتَابِعٌ لَهُ فَيُرَجَّحُ الشَّبَهُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ عَلَى الشَّبَهِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَصْفِهِ.
وَمِنْ حُكْمِهِ أَيْ حُكْمِ النِّصَابِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّهُ عِلَّةٌ تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ أَنْ لَا يَظْهَرَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ قَطْعًا فَقَوْلُهُ قَطْعًا دَاخِلٌ تَحْتَ النَّفْيِ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ وَإِنْ وُجِدَ أَصْلُ الْعِلَّةِ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ عَنْهَا وَهُوَ النَّمَاءُ إذْ الْعِلَّةُ الْمَوْصُوفَةُ بِوَصْفٍ لَا تَعْمَلُ بِدُونِ الْوَصْفِ كَالْأَرْضِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ بِصِفَةِ النَّمَاءِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَإِذَا فَاتَ هَذَا الْوَصْفُ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ تَبْقَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute