للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ أَلْقَى نَارًا فِي الطَّرِيقِ فَهَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ ثُمَّ أَحْرَقَتْ لَمْ يَضْمَنْ وَإِذَا أَلْقَى شَيْئًا مِنْ الْهَوَامِّ فِي الطَّرِيقِ فَتَحَرَّكَتْ وَانْتَقَلَتْ ثُمَّ لَدَغَتْ لَمْ يَضْمَنْ وَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تُخَرَّجُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي بَابِ تَقْسِيمِ الْأَسْبَابِ فَهِيَ مُلْحَقَةٌ بِذَلِكَ الْبَابِ.

ــ

[كشف الأسرار]

أَصَابَ فِي فَوْرِهِ شَيْئًا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْكَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ بِمَنْزِلَةِ السَّوْقِ فِي الدَّابَّةِ حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ دَابَّةً فِي الطَّرِيقِ فَأَصَابَتْ شَيْئًا فِي وَجْهِهَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ كَانَ سَائِقًا لَهَا فَكَذَلِكَ فِي الْكَلْبِ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْكَلْبَ فِي أَخْذِ الصَّيْدِ وَتَمْزِيقِ الثِّيَابِ عَامِلٌ بِطَبْعِهِ وَاخْتِيَارِهِ لَا بِالْإِرْسَالِ فَكَانَ الْإِرْسَالُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ حَلِّ الْقَيْدِ فِي الْعَبْدِ فَلِذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ السَّوْقِ فَأَمَّا الدَّابَّةُ فَلَيْسَ مِنْ طَبْعِهَا الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ بَلْ مِنْ طَبْعِهَا الْجَوَلَانُ وَتَرْكُ سُنَنِ الطَّرِيقِ لِلرَّعْيِ فَكَانَ مُحَافَظَتُهَا سُنَنَ الطَّرِيقِ بَعْدَ الْإِرْسَالِ عَلَى خِلَافِ طَبْعِهَا بِنَاءً عَلَى الْإِرْسَالِ كَمَا فِي السَّوْقِ فَكَانَ إرْسَالُهَا بِمَنْزِلَةِ السَّوْقِ إذَا ذَهَبَتْ عَلَى سُنَنِ الْإِرْسَالِ وَإِلَى هَذَا الْفَرْقِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ يَعْمَلُ بِطَبْعِهِ وَوُقُولُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَشْلَى أَيْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِعْلُ الْكَلْبِ مُضَافًا إلَى الْمُرْسِلِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَلِّ أَيْضًا حَتَّى لَوْ أَقْبَلَ بِصَيْدٍ بَعْدَ الْإِرْسَالِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمُرْسِلُ كَانَ مَيْتَةً كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا فَقَالَ الِاصْطِيَادُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَكَاسِبِ وَبَابُهُ مَفْتُوحٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: ٤] الْآيَةَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ الِاصْطِيَادُ خُصُوصًا بِالْكَلْبِ عَلَى وَجْهٍ يَقْدِرُونَ عَلَى ذَبْحِهِ بِالْوَجْهِ الْمَسْنُونِ غَالِبًا فَأُضِيفَ فِعْلُهُ إلَى الْمُرْسِلِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ وَبُنِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْإِمْكَانِ فَتْحًا لَبَابِ الْكَسْبِ فَأَمَّا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَلَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ جَبْرًا فَيَعْتَمِدُ الْفَوْتُ مِنْ جِهَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ لِتَخَلُّلِ فِعْلِ الْمُخْتَارِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ فِيهِ إلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ أَيْ الدَّلِيلُ الظَّاهِرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ وَلَا مُسَبِّبٍ وَمَعَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ الضَّمَانُ بِحَالٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ فِي الِاصْطِيَادِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَحِلَّ أَيْضًا.

قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ اعْتِرَاضَ الْعِلَّةِ يُوجِبُ قَطْعَ نِسْبَةِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهَا قُلْنَا كَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا وَضَعَ جَمْرًا فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِ النَّارِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ فَذَهَبَتْ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ أَحْرَقَ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ قَدْ انْتَسَخَ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْيَوْمُ رِيحًا فَإِنْ كَانَ رِيحًا فَهُوَ ضَامِنٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا حِينَ أَلْقَاهُ أَنَّ الرِّيحَ تَذْهَبُ بِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فَلَا يَنْتَسِخُ حُكْمُ فِعْلِهِ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ الَّتِي جَالَتْ فِي رِبَاطِهَا وَإِذَا أَلْقَى شَيْئًا مِنْ الْهَوَامِّ فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا تَلِفَ بِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ وَاخْتِيَارُهُ فِي اللَّسْعِ لَا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ؛ لِأَنَّهُ طَبْعٌ لَهُ وَلَوْ تَحَرَّكَتْ أَيْ الْهَامَّةُ الْمُلْقَاةُ وَانْتَقَلَتْ مِنْ مَكَانِهَا إلَى مَكَان آخَرَ ثُمَّ لَدَغَتْهُ أَيْ لَدَغَتْ إنْسَانًا فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُلْقِي شَيْئًا لِانْقِطَاعِ نِسْبَتِهِ عَنْهُ بِتَخَلُّلِ فِعْلِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان آخَرَ وَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَيْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِثْلُ مَسْأَلَةِ إشْلَاءِ الْكَلْبِ وَإِلْقَاءِ النَّارِ وَالْهَامَّةِ فِي الطَّرِيقِ وَإِرْسَالِ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهَا يَخْرُجُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي بَابِ تَقْسِيمِ الْأَسْبَابِ وَهُوَ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي اعْتَرَضَ عَلَيْهِ عِلَّةٌ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ وَنَحْوِهَا فَهِيَ مُلْحَقَةٌ بِذَلِكَ الْبَابِ وَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ خَلَتْ عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ إذْ الْإِشْلَاءُ وَالْإِلْقَاءُ فِي الطَّرِيقِ وَالْإِرْسَالُ لَيْسَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>