وَأَمَّا الَّذِي هُوَ شَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا فَإِنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ فَإِنَّ أَوَّلَهُمَا شَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْطِ أَنْ يُضَافَ الْوُجُودُ إلَيْهِ وَذَلِكَ مُضَافٌ إلَى آخِرِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ شَرْطًا لَا اسْمًا وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ
قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ أَحَدَيْهِمَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الثَّانِيَةَ أَنَّهَا تَطْلُقُ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ وُجُودِ الْجَزَاءِ لَا لِصِحَّةِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ هَا هُنَا جَزَاءٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ الْمِلْكُ شَرْطًا لِغَيْرِ الشَّرْطِ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ وَلَمْ يَجُزْ شَرْطُهُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَمَا قَبْلَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ.
ــ
[كشف الأسرار]
لِلْمَانِعِ بِوَجْهٍ وَلَكِنَّهَا أُورِدَتْ هَاهُنَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ لِلْمُنَاسَبَةِ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي) أَيْ الْقِسْمُ الَّذِي أَوْ الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا فَكَذَا وَهَذَا يُسَمَّى شَرْطًا مَجَازًا لِتَخَلُّفِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ لَمَّا كَانَ يَفْتَقِرُ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ شَرْطًا صُورَةً لَا مَعْنًى وَفِي أَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ مَوْجُودٌ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ مَعْنًى وَحَقِيقَةً قُلْنَا كَذَا وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ إنْ دَخَلَتْهُمَا فِي الْمِلْكِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنْ دَخَلَتْهُمَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لَا إلَى أَجْزَاءٍ وَإِنْ دَخَلَتْ الْأُولَى فِي الْمِلْكِ ثُمَّ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الْأُخْرَى فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَمْ يُطَلِّقْ بِالِاتِّفَاقِ أَيْضًا وَإِنْ دَخَلَتْ الْأُولَى فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الْأُخْرَى طَلُقَتْ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ حَظَّ الشَّرْطَيْنِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَيَّرَهَا شَيْئًا وَاحِدًا فِي وُجُودِ الْجَزَاءِ وَفِي أَحَدِهِمَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ فَكَذَلِكَ فِي الْآخَرِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ يُجْرِي الشُّرُوطَ مَجْرَى الْعِلَلِ كَمَا قَالَ فِي الْإِحْصَانِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَأَنَّ السَّارِقَ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطُ ظُهُورِ السَّرِقَةِ فَلَا يَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ عِنْدَهُ كَمَا لَا تَجْرِي فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ مُثَبِّتَةٌ لِلسَّرِقَةِ فَلِذَلِكَ سَوَّى بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ وَوَجْهُ قَوْلِنَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ وُجُودِ الْجَزَاءِ لَا لِصِحَّةِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلِهَذَا لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَيْنِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ.
وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا أَيْ لَيْسَ فِيمَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَزَاءٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ لِيُشْتَرَطَ الْمِلْكُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَنْزِلُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ الثَّانِي وَلَمْ يَجُزْ شَرْطُهُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الذِّمَّةُ فَتَبْقَى بِبَقَائِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَمِينَ يَبْقَى قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ بِدُونِ الْمِلْكِ بِأَنْ أَبَانَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَبْقَى بِدُونِهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ الثَّانِي أَيْضًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمِلْكَ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِيجَابِ أَوْ صِحَّةِ الْإِيقَاعِ وَحَالُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ خَالِيَةٌ عَنْهُمَا فَلَوْ شَرَطَ الْمِلْكَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ أَوْ لِصِحَّةِ عَيْنِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ عَلَامَةٌ) وَهُوَ الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ بِالْإِحْصَانِ قِيلَ إحْصَانُ الزِّنَا عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ.
وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ وَكَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مِثْلَ الْآخَرِ فِي صِفَةِ الْإِحْصَانِ وَالْإِسْلَامُ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ شَرْطَ الْإِحْصَانِ عَلَى الْخُصُوصِ شَيْئَانِ الْإِسْلَامُ وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهُ فَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطَا الْأَهْلِيَّةِ لِلْعُقُوبَةِ لَا شَرْطَا الْإِحْصَانِ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ تَكْمِيلِ الْعُقُوبَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ أَيْ مُعَرَّفٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الزِّنَا إذَا تَحَقَّقَ عِلَّةٌ لِلرَّجْمِ عَلَى إحْصَانٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْإِحْصَانَ لَوْ وُجِدَ بَعْدَ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِوُجُودِهِ الرَّجْمُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لَهُ وَلَا سَبَبٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُفْضٍ إلَيْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الرَّجْمَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ وُجُوبًا بِهِ وَلَا وُجُودًا عِنْدَ وُجُودِهِ وَلَكِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَالٍ فِي الزَّانِي يَصِيرُ الزِّنَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُوجِبًا لِلرَّجْمِ فَكَانَ مُعَرَّفًا أَنَّ الزِّنَا حِينَ وُجِدَ كَانَ مُوجِبًا لِلرَّجْمِ فَكَانَ عَلَامَةً لَا شَرْطًا فَلَمْ يَصِحَّ عِلَّةً لِلْوُجُوبِ وَلَا لِلْوُجُودِ أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ فَلَا يَكُونُ عِلَّةً وَلَا الْوُجُودُ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا وَذَلِكَ أَيْ وَلِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ وَالْوُجُودِ بِهِ لَمْ يُجْعَلْ لِهَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ حُكْمَ الْعِلَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute