فَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ عَلَامَةٌ فَالْإِحْصَانُ فِي بَابِ الزِّنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَامَةٌ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْطِ أَنْ يَمْنَعَ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الزِّنَا بِحَالٍ لِأَنَّ الزِّنَا إذَا وُجِدَ لَمْ يَتَوَقَّفْ حُكْمُهُ عَلَى إحْصَانٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ لَكِنَّ الْإِحْصَانَ إذَا ثَبَتَ كَانَ مُعَرِّفًا لِحُكْمِ الزِّنَا فَأَمَّا أَنْ يُوجَدَ الزِّنَا بِصُورَتِهِ فَيَتَوَقَّفَ انْعِقَادُهُ عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الْإِحْصَانِ فَلَا يَثْبُتُ أَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً لِلْوُجُودِ وَلَا لِلْوُجُوبِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ بِحَالٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ شُهُودُ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا عَلَى حَالٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّرْطِ الْخَالِصِ
ــ
[كشف الأسرار]
بِحَالٍ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِلَّةُ صَالِحَةً لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ هَذَا هُوَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ وَاخْتَارَهَا الشَّيْخَانِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَمَّا أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَقَدْ سَمَّوْا الْإِحْصَانَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الرَّجْمِ لَا عَلَامَةً مُسْتَرْوِحِينَ بِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَيْهِ وَالْإِحْصَانُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّجْمِ بِالزِّنَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِ الْإِحْصَانِ وَكَوْنُهُ سَابِقًا عَلَى الزِّنَا غَيْرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ لَا يُخِلُّ بِشَرْطِيَّتِهِ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالنِّيَّةُ سَابِقَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ تَأَخُّرُهَا عَنْ صُورَةِ الصَّلَاةِ وَتَوَقَّفَ انْعِقَادُهَا صَلَاةً عَلَيْهَا وَكَذَا الْإِشْهَادُ فِي النِّكَاحِ سَابِقٌ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ تَأَخُّرُهُ عَنْهُ وَتَوَقَّفَ انْعِقَادُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُودِ صُورَتِهِ ثُمَّ إنَّهَا شُرُوطٌ حَقِيقِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالنِّكَاحِ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِعَلَامَاتٍ فَكَذَا الْإِحْصَانُ لِلرَّجْمِ.
وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُودٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عِنْدَهُمْ بَلْ ثُبُوتُ وُجُوبِ الرَّجْمِ بِالزِّنَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ إذْ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الرَّجْمَ بِدُونِ الْإِحْصَانِ بِحَالٍ كَالسَّرِقَةِ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ بِدُونِ النِّصَابِ وَهُوَ شَرْطٌ بِلَا شُبْهَةٍ فَكَذَا الْإِحْصَانُ وَقَوْلُهُمْ لَا بُدَّ لِلشَّرْطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ لِيَتَوَقَّفَ انْعِقَادُهَا عِلَّةً عَلَيْهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا بَلْ الشَّرْطُ قَدْ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلَى صُورَةِ الْعِلَّةِ كَمَا بَيَّنَّا وَقَدْ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا كَمَا فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ انْعِقَادَ بَعْضِ الْعِلَلِ لَا يَقْبَلُ الِانْفِصَالَ عَنْ وُجُودِ صُورَتِهَا كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَبَعْضُهَا يَقْبَلُ ذَلِكَ كَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَالْعَتَاقِ الْمُعَلَّقِ وَسَائِرِ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَالشَّرْطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ يَتَأَخَّرُ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ.
وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ لَا يَتَأَخَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَالْمَشْرُوطُ وَهُوَ الِانْعِقَادُ لَمَّا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الصُّورَةِ لَا يُتَصَوَّرُ تَأَخُّرُ الشَّرْطِ عَنْهَا ضَرُورَةً.
قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا عَلَى حَالٍ يَعْنِي سَوَاءٌ رَجَعُوا مَعَ شُهُودِ الزِّنَا أَوْ رَجَعُوا وَحْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّرْطِ الْخَالِصِ وَهِيَ مَا إذَا اجْتَمَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَالْيَمِينِ ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ صَالِحٌ لِخِلَافَةِ الْعِلَّةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا لِتَعَلُّقِ الْوُجُودِ بِهِ فَأَمَّا الْعَلَامَةُ فَلَيْسَتْ بِصَالِحَةٍ لِخِلَافَتِهَا عَنْ الْعِلَّةِ أَصْلًا لِمَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وُجُوبٌ وَلَا وُجُودٌ فَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا بِوَجْهٍ.
وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ وَحْدَهُمْ ضَمِنُوا دِيَةَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ جَمِيعًا يَشْتَرِكُونَ فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطُ الرَّجْمِ وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ السَّبَبَ أَيْ الْعِلَّةَ وَالشَّرْطَ سَوَاءٌ فِي إضَافَةِ الضَّمَانِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقِفُ عَلَى الشَّرْطِ كَمَا يَقِفُ عَلَى السَّبَبِ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْإِحْصَانُ مُلْحَقٌ بِالزِّنَا فِي إضَافَةِ الْحَدِّ إلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِحْصَانِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَالشَّهَادَةَ عَلَى النِّكَاحِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تُقْبَلُ بِدُونِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَدُّ مُضَافًا إلَيْهِمَا لَمَا قُبِلَتْ كَمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْإِحْصَانِ ثُمَّ رَجَعَ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ يَصِحُّ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ شُهُودَ الْإِحْصَانِ عَنْ الْإِحْصَانِ مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ كَمَا يَسْأَلُ عَنْ الزِّنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute