وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ زَائِدٌ وَشَهَادَةُ هَؤُلَاءِ حُجَّةٌ لِإِيجَابِ الضَّرَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا وَعُقُوبَةً وَلِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ اخْتِصَاصٌ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَشْهُودِ بِهِ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ شَهَادَتُهُمْ تَكْثِيرَ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ أَبَدًا.
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ فِرَاشٍ قَائِمٍ وَلَا حَبَلٍ ظَاهِرٍ وَلَا إقْرَارٍ بِالْحَبَلِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ بِلَا خِلَافٍ وَلَمْ يُوجِبْ هَا هُنَا إلَّا التَّعْيِينَ فَأَمَّا النَّسَبُ فَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالْفِرَاشِ فَيَكُونُ انْفِصَالُهُ مُعَرَّفًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ السَّبَبِ وَلَا وُجُودُهُ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْفِرَاشِ أَوْ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ
وَالْجَوَابُ عَنْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفِرَاشَ إذَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا
ــ
[كشف الأسرار]
وَلَا وُجُودُهُ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْحَدِّ وَلَا شَرْطًا لَهُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ الْقَبُولُ بِاعْتِبَارِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ تَكْثِيرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَهُوَ النِّعْمَةُ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ تَقَعُ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَقَبْلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَانَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ نِعْمَةَ الْعَقْلِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَبَعْدَمَا شَهِدُوا صَارَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ النِّعَمَ الْمَذْكُورَةَ وَنِعْمَةُ الْإِصَابَةِ مِنْ الْحَلَالِ بِطَرِيقِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ.
وَفِي ذَلِكَ أَيْ فِي تَكْثِيرِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ضَرَرٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ يَتَغَيَّرُ بِهَذَا التَّكْثِيرِ مِنْ الْجَلْدِ إلَى الرَّجْمِ وَشَهَادَةُ هَؤُلَاءِ أَيْ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ حُجَّةٌ فِي إيجَابِ الضَّرَرِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً كَمَا فِي إيجَابِ الْمَالِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُ الْإِحْصَانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ بِسَبَبِ تَضَمُّنِهِ إيجَابَ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الضَّرَرِ ثَبَتَتْ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَلِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ اخْتِصَاصٌ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى الْكُفَّارِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَعَلَا {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَلَكِنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ حَتَّى ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمْ الْحُدُودُ وَغَيْرُهَا وَقَدْ تَضَمَّنَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ تَكْثِيرَ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ كَانَتْ مُقْتَصِرَةً عَلَى الْعَقْلِ وَالدِّينِ أَوْ عَلَيْهِمَا وَعَلَى إصَابَةِ الْحَلَالِ وَمُوجِبُهَا جَلْدُ خَمْسِينَ فِي الزِّنَا وَجَلْدُ أَرْبَعِينَ فِي الْقَذْفِ وَبِهَذِهِ الشَّهَادَةِ صَارَتْ جِنَايَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَعَلَى الْحُرِّيَّةِ أَيْضًا وَصَارَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ الرَّجْمَ أَوْ جَلْدَ مِائَةٍ فِي الزِّنَا وَجَلْدَ ثَمَانِينَ فِي الْقَذْفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةُ ضَرَرٍ تَثْبُتُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ وَشَهَادَتُهُمْ فِيمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَصْلًا.
قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ الْمُعَرَّفَ الْمَحْضَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبٌ وَلَا وُجُودٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمُعْتَدَّةِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ فِرَاشٍ قَائِمٍ أَيْ نِكَاحٍ ثَابِتٍ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ وَلَا كَذَا وَكَذَا وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَتِهَا كَمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ بِلَا خِلَافٍ يَعْنِي إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ مَوْجُودًا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ لَا بِشَهَادَتِهَا وَلَكِنْ بِذَلِكَ السَّبَبِ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا تَعْيِينُ الْوَلَدِ لَا غَيْرُ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهَا إلَّا تَعْيِينُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ عِنْدَ الْعُلُوقِ فَيَكُونُ انْفِصَالُ الْوَلَدِ مُعَرِّفًا لِلْوَلَدِ الثَّابِتِ نِسْبَةً بِأَحَدِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ كَالْإِحْصَانِ مُعَرِّفًا لِلزِّنَاءِ الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ بِالِانْفِصَالِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وُجُوبُ النَّسَبِ أَيْ ثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْعُلُوقِ مِنْ مَائِهِ لَا وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَمَا صَحَّ سَبَبُهُ عَلَى الْوِلَادَةِ فَثَبَتَ أَنَّ الْوِلَادَةَ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ عِلْمٌ مَحْضٌ مُظْهِرٌ لِنَسَبٍ ثَابِتٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ أَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ النَّسَبُ مُضَافًا إلَى الْوِلَادَةِ وُجُوبًا بِهَا وَلَا وُجُودًا عِنْدَهَا كَانَ ثُبُوتُهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِثْلَ ثُبُوتِهَا فِي حَالِ قِيَامِ أَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ كَالْإِحْصَانِ لَمَّا كَانَ مُعَرَّفًا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute