للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ وَلَا إقْرَارٌ بِهِ كَانَ ثُبُوتُ نَسَبِهِ وَهُوَ بَاطِنٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ حُكْمًا ثَانِيًا فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَأَمَّا فِي حَقِّنَا فَلَا فَبَقِيَ مُضَافًا إلَى الْوِلَادَةِ فَشُرِطَ لِإِثْبَاتِهَا كَمَالُ الْحُجَّةِ فَأَمَّا عِنْدَ قِيَامِ الْفِرَاشِ وَالْحَبَلُ فَقَدْ وُجِدَ دَلِيلُ قِيَامِ السَّبَبِ ظَاهِرًا فَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ الْوِلَادَةُ مُعَرَّفَةً

وَإِذَا عُلِّقَ بِالْوِلَادَةِ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ وَقَدْ شَهِدَتْ امْرَأَتُهَا حَالَ قِيَامِ الْفِرَاشِ وَقَعَ مَا عُلِّقَ بِهِ عِنْدَهُمَا

ــ

[كشف الأسرار]

ثُبُوتُهُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بَعْدَ ثُبُوتِ الزِّنَا مِثْلَ ثُبُوتِهِ بِهَا قَبْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَوْلُهُ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَا وَلَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي لَمْ يَكُنْ وَجَازَ الْعَطْفُ بِدُونِ الْمُؤَكِّدِ لِلْفَصْلِ وَحَذْفِ خَبَرِ كَانَ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْفِرَاشُ قَائِمًا وَلَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ ثَابِتًا وَلَا إقْرَارٌ بِالْحَبَلِ مَوْجُودًا كَانَ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ حُكْمًا ثَابِتًا فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِحَقَائِق الْأُمُورِ فَيَعْلَمُ بِعُلُوقِ الْوَلَدِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَكَانَتْ الْوِلَادَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَرِّفِ لِلْوَلَدِ الثَّابِتِ النَّسَبِ بِالنَّظَرِ إلَى عِلْمِهِ جَلَّ جَلَالُهُ فَأَمَّا فِي حَقِّنَا فَلَا أَيْ لَا يَكُونُ ثَابِتًا قَبْلَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّا نَبْنِي الْحُكْمَ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا نَعْرِفُ الْبَاطِنَ فَمَا كَانَ بَاطِنًا يُجْعَلُ فِي حَقِّنَا كَالْمَعْدُومِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ النَّازِلِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَالنَّسَبُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ لِعَدَمِ الْفِرَاشِ وَالْحَبَلِ الظَّاهِرِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ فِي حَقِّنَا فَكَانَ ثُبُوتُهُ مُضَافًا إلَى الْوِلَادَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَانَتْ الْوِلَادَةُ فِي حَقِّ عِلْمِنَا بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الْمُثْبِتَةِ لِلنَّسَبِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْعَلَامَةِ وَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهِ بِالْوِلَادَةِ يُشْتَرَطُ لَهَا كَمَالُ الْحُجَّةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ نَسَبًا عَلَى آخَرَ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْبَاطِنَ قَدْ اسْتَنَدَ ثُبُوتُهُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ مُثْبِتٌ لِلنَّسَبِ وَكَذَا الْحَبَلُ الظَّاهِرُ حَالَ قِيَامِ الْعِدَّةِ دَلِيلٌ عَلَى الْعُلُوقِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِالْحَبَلِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَصَلَحَ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ عَلَامَةً مُعَرِّفَةً لِلنَّسَبِ الثَّابِتِ حَالَ الِاجْتِنَانِ فَلَمْ يَصِرْ وُجُودُ النَّسَبِ مُضَافًا إلَى الْوِلَادَةِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا عَلِقَ بِالْوِلَادَةِ) إلَى آخِرِهِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ وَقَدْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِأَنَّهَا حُبْلَى أَوْ بِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ فَقَالَتْ قَدْ وَلَدْت يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ الْعَتَاقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْقَابِلَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الْجَزَاءِ وِلَادَتُهَا وَهِيَ مِمَّا تَقِفُ عَلَيْهَا الْقَابِلَةُ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا مُجَرَّدُ قَوْلِهَا كَمَا لَا يُقْبَلُ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الْمَوْلُودِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ عَلَّقَ الْجَزَاءَ بِبُرُوزٍ مَوْجُودٍ فِي بَاطِنِهَا فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُهَا كَمَا لَوْ قَالَ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَبَلِ قَدْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْعِيَانِ فَإِذَا جَاءَتْ فَارِغَةً وَتَقُولُ قَدْ وَلَدْت فَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهَا أَوْ يَتَيَقَّنُ بِوِلَادَتِهَا بِخِلَافِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا يَثْبُتُ مُجَرَّدُ الْوِلَادَةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَيُّنُ هَذَا الْوَلَدِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ غَيْرَ هَذَا مِنْ وَلَدٍ مَيِّتٍ ثُمَّ يَزِيدُ حَمْلُ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فَأَمَّا وُقُوعُ الْجَزَاءِ فَيَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْوِلَادَةِ أَيِّ وَلَدٍ كَانَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِالْوِلَادَةِ إذَا جَاءَتْ فَارِغَةً فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت فَكَذَا وَلَمْ يَكُنْ بِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ وَلَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِأَنَّهَا حُبْلَى فَقَالَتْ وَلَدْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَا يَقَعُ الْجَزَاءُ بِقَوْلِهَا فَإِنْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ مِنْهُ بِشَهَادَتِهَا وَلَا يَقَعُ الْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَمْ يَشْهَدْ بِالْوِلَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>