للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِشَهَادَتِهَا وَقَدْ يَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِشَهَادَتِهَا فَيَثْبُتُ مَا كَانَ تَبَعًا لَهُ وَكَذَلِكَ قَالَا فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ إنَّهُ تَبَعٌ لِلْوِلَادَةِ فَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ بِحَقِيقَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوُجُودَ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِكَمَالِ الْحُجَّةِ، وَالْوِلَادَةُ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مُطْلَقًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى التَّوَابِعِ كَشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَمَةَ ثَيِّبٌ وَقَدْ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ بَلْ يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

ــ

[كشف الأسرار]

رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.

وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَيَقَعُ مَا عَلَّقَ بِهِ أَيْ بِفِعْلِ الْوِلَادَةِ مِنْ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ مُعَلَّقٌ بِالْوِلَادَةِ مِنْ الْجَزَاءِ غَيْرُ مَقْصُودٍ إثْبَاتُهُ بِشَهَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهَا ظُهُورُ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مُعَرَّفٌ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْجَزَاءُ وُجُوبًا بِهِ وَلَا وُجُودًا عِنْدَهُ وَقَدْ تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِشَهَادَتِهَا يَعْنِي فِي حَقِّ النَّسَبِ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ مِنْ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَثْبُتُ مَا كَانَ تَبَعًا لَهُ أَيْ لِفِعْلِ الْوِلَادَةِ وَهُوَ الْجَزَاءُ الْمُعَلَّقُ بِهِ الْمُفْتَقِرُ ثُبُوتُهُ إلَيْهِ كَالْإِحْصَانِ لَمَّا ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ يَثْبُتُ مَا كَانَ تَبَعًا لَهُ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّجْمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الرَّجْمُ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ قَصْدًا.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ عَلَى وِلَادَتِهَا صَارَتْ هِيَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ هُوَ مِنِّي وَلَا أَدْرِي وَلَدَتْهُ أَمْ لَا فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ حُكِمَ بِاللِّعَانِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ حُرًّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِذَا جُعِلَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةً فِي حُكْمِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ثُبُوتَهَا بِشَهَادَتِهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ بَلْ يَثْبُتَانِ تَبَعًا فَلَأَنْ يُجْعَلَ حُجَّةً فِي حَقِّ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِهَذَا الطَّرِيقِ كَانَ أَوْلَى.

وَكَذَلِكَ قَالَا أَيْ وَكَمَا قَالَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَتِهَا تَبَعًا لِلْوِلَادَةِ قَالَا يَثْبُتُ اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ أَيْ حَيَاتُهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَتِهَا تَبَعًا لِلْوِلَادَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِرْثُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ مُعَرِّفٌ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْوَلَدِ الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ لَا تَكُونُ مُضَافَةً إلَيْهِ وُجُوبًا بِهِ وَلَا وُجُودًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ سَابِقَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ وَلَكِنَّهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَإِذَا كَانَ مُعَرَّفًا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ كَمَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى الْمَوْلُودِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ.

قَوْلُهُ (وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِحَقِيقَةِ الْقِيَاسِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا قَالَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ فَإِنَّ الْقَابِلَةَ شَهِدَتْ بِالْوِلَادَةِ دُونَ الطَّلَاقِ فَإِثْبَاتُ الطَّلَاقِ بِشَهَادَتِهَا عَلَى الْوِلَادَةِ لَا يَخْلُو عَنْ عُدُولٍ عَنْ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَبَيَانُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوِلَادَةَ شَرْطٌ مَحْضٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ عِلَّةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَقِيقَةً إلَى وُجُودِهِ كَدُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّرَائِطِ، وَالْوُجُودُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْطِ أَيْ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّرْطِ كَمَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِالْعِلَّةِ فَكَانَ وُجُودُهُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَكَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعِلَّةِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ نَفْسُ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَا عِلَّتُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ لَا يَثْبُتُ الشَّرْطُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ لِتَعَلُّقِ وُجُودِهِ بِهِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ كَلَامِهِمَا فَقَالَ وَالْوِلَادَةُ لَمْ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَصْلِيَّةٍ بَلْ هِيَ حُجَّةٌ يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ.

وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ هَاهُنَا فِي ثُبُوتِ نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَمَا هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ الْوِلَادَةُ عَنْهَا كَالنَّسَبِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَاللِّعَانِ عِنْدِ النَّفْيِ لِلْوَلَدِ فَتَثْبُتُ الْوِلَادَةُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَأَمَّا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالِاسْتِهْلَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>