وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَإِذَا انْفَصَلَ فَظَهَرَتْ ذِمَّتُهُ مُطْلَقَةً كَانَ أَهْلًا بِذِمَّتِهِ لِلْوُجُوبِ غَيْرَ أَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ أَنْ تَبْطُلَ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَغَرَضِهِ فَكَمَا يَنْعَدِمُ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَدِمَ لِعَدَمِ حُكْمِهِ أَيْضًا فَيَصِيرُ هَذَا الْقِسْمُ مُنْقَسِمًا بِانْقِسَامِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ مَرَّ التَّقْسِيمُ قَبْلَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ.
فَأَمَّا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَمَا كَانَ مِنْهَا غُرْمًا وَعِوَضًا فَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ أَدَاءُ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ لِأَنَّ الْمَالَ مَقْصُودٌ لَا الْأَدَاءَ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ مَتَى صَحَّ سَبَبُهُ وَمَا كَانَ صِلَةً لَهَا شَبَهٌ بِالْمُؤَنِ وَهِيَ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَالْقَرَابَاتِ لَزِمَهُ أَيْضًا
ــ
[كشف الأسرار]
بِالْحَيَاةِ مُعَدًّا لِلِانْفِصَالِ وَصَيْرُورَتِهِ نَفْسًا بِرَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ جُزْءَ الْأُمِّ مُطْلَقًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذِمَّةٌ مُطْلَقَةٌ أَيْ كَامِلَةٌ حَتَّى صَلَحَ لَأَنْ يَجِبَ لَهُ الْحَقُّ مِنْ الْعِتْقِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالنَّسَبِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَصْلُحُ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لَهُ شَيْئًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمَا وَإِذَا انْفَصَلَ عَنْ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ فَظَهَرَتْ ذِمَّتُهُ مُطْلَقَةً لِصَيْرُورَتِهِ نَفْسًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِ وَالْجَوَابُ كَانَ أَيْ صَارَ أَهْلًا بِسَبَبِ ذِمَّتِهِ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ بِجُمْلَتِهَا كَمَا تَجِبُ عَلَى الْبَالِغِ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَكَمَالِ الذِّمَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْوُجُوبَ أَيْ لَكِنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْأَدَاءُ عَنْ اخْتِيَارٍ لِيَتَحَقَّقَ الِابْتِلَاءُ وَلَمْ يُتَصَوَّرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِعَجْزِهِ.
فَيَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ الْوُجُوبُ أَيْ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَصْلًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَدَاءِ وَغَرَضُهُ وَهُوَ الِابْتِلَاءُ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَإِعْتَاقِ الْبَهِيمَةِ فَيَصِيرُ هَذَا الْقِسْمُ يَعْنِي لَمَّا جَازَ أَنْ يَبْطُلَ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْحُكْمِ صَارَ هَذَا الْقِسْمُ وَهُوَ الْوُجُوبُ أَوْ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْقَسِمًا بِانْقِسَامِ الْأَحْكَامِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ فَكُلُّ قِسْمٍ يُتَصَوَّرُ شَرْعِيَّتُهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّهِ وَمَا لَا فَلَا.
ثُمَّ الْأَحْكَامُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعَبْدِ وَاَلَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَعْرِفَةِ الْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَبَعْضُهَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ كَحَقِّ الْعَبْدِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِهِ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي حَقِّهِ كَالْعُقُوبَاتِ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِهِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَفْصِيلِ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّهِ وَتَرْتِيبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا وَتَقْسِيمِ الْوُجُوبِ بِحَسَبِ انْقِسَامِهَا فَشَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَأَمَّا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَمَا كَانَ مِنْهَا غُرْمًا كَضَمَانِ الْإِتْلَافَاتِ وَعِوَضًا كَثَمَنٍ لِلْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ فَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ أَوْ اشْتَرَى لَهُ الْوَلِيُّ شَيْئًا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَالثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ لِأَنَّ حُكْمَهُ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا أَوْ لِلْوُجُوبِ أَيْ حُكْمَ الْوُجُوبِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ لِأَنَّ الْمَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ دُونَ الْفِعْلِ إذْ الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْخُسْرَانِ بِمَا يَكُونُ خَيْرًا لَهُ أَوْ حُصُولُ الرِّبْحِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْمَالِ وَأَدَاءُ وَلِيِّهِ كَأَدَائِهِ فِي حُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ مَتَى صَحَّ سَبَبُهُ بِأَنْ تَحَقَّقَ الْإِتْلَافُ أَوْ وُجِدَ الْبَيْعُ بِشَرَائِطِهِ الْمَالُ الْوَاجِبُ صِلَةً هُوَ الَّذِي لَا يُسْتَفَادُ بِهِ عِوَضٌ.
أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ فَلَهَا شَبَهٌ بِالْأَعْوَاضِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ لَا تَجِبُ عِوَضًا حَقِيقَةً لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ بِالتَّسْمِيَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ بِالْبَيْعِ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَلَا تَثْبُتُ بَيْنَ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَثَمَرَاتِهِ وَلَا بَيْنَ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ تَبَعًا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ وَلَوْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ الِاحْتِبَاسِ لِلرَّجُلِ لَسَقَطَتْ بِفَوْتِهِ كَيْفَ مَا فَاتَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ مَتَى لَمْ تُسَلِّمْ الْمُؤَاجَرَ مَا آجَرَ بِأَيِّ وَجْهِ مَنْعٍ سَقَطَ الْأَجْرُ وَلَكِنَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ صِلَةً مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِهِ ثُمَّ لَزِمَهَا الِاحْتِبَاسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute