الزَّوْجَاتُ فَلَهَا شَبَهٌ بِالْأَعْوَاضِ وَأَمَّا الْأُخْرَى فَمُؤْنَةُ الْيَسَارِ، وَكُلُّ صِلَةٍ لَهَا شَبَهٌ بِالْأَجْزِيَةِ لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِهِ مِثْلَ تَحَمُّلِ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ صِفَةِ الْجَزَاءِ مُقَابَلًا بِالْكَفِّ عَنْ الْأَخْذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّ بِهِ رِجَالُ الْعَشَائِرِ وَمَا كَانَ عُقُوبَةً أَوْ جَزَاءً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحْ لِحُكْمِهِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِلُزُومِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِجْمَالِ أَنَّ الْوُجُوبَ لَازِمٌ مَتَى صَحَّ بِحُكْمِهِ وَمَتَى بَطَلَ الْقَوْلُ بِحُكْمِهِ بَطَلَ بِوُجُوبِهِ وَإِنْ صَحَّ سَبَبُهُ الْقَوْلُ وَمَحَلُّهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا يَنْعَدِمُ مَرَّةً لِعَدَمِ سَبَبِهِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ فَيَنْعَدِمُ أَيْضًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَقَدْ مَرَّ تَقْسِيمُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَيْضًا.
فَأَمَّا الْإِيمَانُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ لِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْخَالِصَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ أَوْ بِالْمَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُهَا وَمَحَلُّهَا لِعَدَمِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَدَاءُ لِأَنَّ الْأَدَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى
ــ
[كشف الأسرار]
جَزَاءً عَلَى النَّفَقَةِ وَعِنْدَنَا تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ جَزَاءً لَهَا عَلَى الِاحْتِبَاسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا عِنْدَ الرَّجُلِ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ كَانَتْ صِلَةً كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا وَجَبَتْ جَزَاءً أَشْبَهَ الْأَعْوَاضَ فَبِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ دَيْنًا بِحَالٍ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي يَجِبُ أَنْ لَا تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَجَعَلَ لَهَا مَنْزِلَةً بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقِيلَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْتِزَامٌ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَتَصِيرُ دَيْنًا بِالِالْتِزَامِ كَالْأَعْوَاضِ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.
فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَهَا شَبَهٌ بِالْأَعْوَاضِ وَأَمَّا الْأُخْرَى وَهِيَ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ فَمُؤْنَةُ الْيَسَارِ أَيْ هِيَ مُؤْنَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْيَسَارِ وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ وَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْمُؤَنِ عَلَيْهِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمُؤْنَةُ عِنْدَ حُصُولِ الْغِنَاءِ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَالْمَقْصُودُ إزَالَةُ حَاجَةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ بِوُصُولِ كِفَايَتِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْمَالِ وَأَدَاءُ الْوَلِيِّ فِيهِ كَأَدَائِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ خَالٍ عَنْ حِكْمَةٍ مِثْلُ تَحَمُّلِ الْعَقْلِ أَيْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَيْ تَحَمُّلَ الْعَقْلِ أَوْ وُجُوبَهُ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ مُقَابَلًا بِالْكَفِّ اخْتَصَّ بِهِ أَيْ بِتَحَمُّلِ الْعَقْلِ وَوُجُوبِهِ رِجَالُ الْعَشَائِرِ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْحِفْظِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ لَا يَقْدِرْنَ عَلَيْهِ لِضَعْفِهِنَّ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ بِوَجْهٍ وَمَا كَانَ عُقُوبَةً أَيْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ أَوْ جَزَاءً كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ عَلَى مَا مَرَّ أَيْ فِي بَابِ مَعْرِفَةِ الْعِلَلِ لِأَنَّهُ أَيْ الصَّبِيَّ لَا يَصْلُحُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْعُقُوبَةِ أَوْ جَزَاءُ الْفِعْلِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ الْقَوْلِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ أَهْلًا لِحُكْمِ الْوُجُوبِ فِي شَيْءٍ كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِهِ الْقَوْلُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِجْمَالِ أَيْ عَلَى الْجُمْلَةِ وَإِنْ صَحَّ سَبَبُهُ بِأَنْ تَحَقَّقَ دُلُوكُ الشَّمْسِ وَشُهُودُ الشَّهْرِ وَمَحَلُّهُ وَهُوَ الذِّمَّةُ وَقَدْ مَرَّ تَقْسِيمُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْبَابِ أَيْضًا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ مَا أَجْمَلَ فَقَالَ فَأَمَّا الْإِيمَانُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ وُجُوبًا أَوْ وُجُودًا فِي حَقِّهِ فَمَا كَانَ الْقَوْلُ بِالْوُجُودِ فِي حَقِّهِ بِدُونِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ إلَّا نَظِيرَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ بِدُونِ الْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ كَمَا فِي حَقِّ الْبَهَائِمِ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ الْإِيمَانِ الْعِبَادَاتُ الْخَالِصَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ بِالْمَالِ كَالزَّكَاةِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ أَيْ الْفِعْلَ هُوَ الْمَقْصُودُ يَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ أَنَّهُ يَأْتَمِرُ أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْتَمِرُ فَالْمَقْصُودُ الِابْتِلَاءُ وَإِلْزَامُ الْحُجَّةِ وَالصِّغَرُ يُنَافِيهِ أَيْ الِابْتِلَاءَ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِالْفِعْلِ إنَّمَا ثَبَتَ لِيَظْهَرَ الْمُطِيعُ مِنْ الْعَاصِي وَمَعَ الصِّبَا لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ وَلَا يَظْهَرُ أَيْضًا مَعَ الْجَبْرِ لِأَنَّهُ مُجَازَى عَلَى فِعْلِهِ وَلَا جَزَاءَ مَعَ الْجَبْرِ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلْمُجْبَرِ حَقِيقَةً فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَزَاءَ.
وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ وَهُوَ الْوَكِيلُ كَمَا يَتَأَدَّى حُقُوقُ الْعِبَادِ بِهِ فَيَتَأَدَّى بِالْوَلِيِّ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْعُشْرُ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا الزَّكَاةُ فَقَالَ وَمَا يَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ أَيْ بِمِثْلِ هَذَا النَّائِبِ وَهُوَ الْوَلِيُّ لَا يَصْلُحُ طَاعَةً لِأَنَّ هَذِهِ النِّيَابَةَ نِيَابَةُ جَبْرٍ لَا اخْتِيَارٍ لِثُبُوتِهَا عَلَى الصَّبِيِّ شَرْعًا شَاءَ أَوْ أَبَى وَالزَّكَاةُ طَاعَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِمِثْلِ هَذِهِ النِّيَابَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute