وَذَلِكَ فِعْلٌ يَحْصُلُ عَنْ اخْتِيَارٍ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ تَحْقِيقًا لِلِابْتِلَاءِ وَالصِّغَرُ يُنَافِيهِ وَمَا يَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ لَا يَصْلُحُ طَاعَةً لِأَنَّهَا نِيَابَةُ جَبْرٍ لَا اخْتِيَارٍ فَلَوْ وَجَبَ مَعَ ذَلِكَ لَصَارَ الْمَالُ مَقْصُودًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ فِي جِنْسِ الْقُرْبِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الزَّكَاةُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَمَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ مِثْلُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا قُلْنَا وَلَزِمَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اجْتِزَاءً بِالْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْقَاصِرِ
ــ
[كشف الأسرار]
لِأَنَّهُ يَصِيرُ إعْطَاءً بِطَرِيقِ الْكُرْهِ.
بِخِلَافِ نِيَابَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهَا نِيَابَةُ اخْتِيَارٍ حَيْثُ ثَبَتَتْ بِإِنَابَتِهِ فَيَنْتَقِلُ فِعْلُ النَّائِبِ إلَى الْمُوَكِّلِ بِالْأَمْرِ فَتَصْلُحُ لِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ فَلَوْ وَجَبَ يَعْنِي مَا يَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ عَلَى الصَّبِيِّ بِاعْتِبَارِ أَدَاءِ النَّائِبِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ نِيَابَةُ جَبْرٍ لَصَارَ الْمَالُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ دُونَ الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الِابْتِلَاءُ وَذَلِكَ أَيْ كَوْنُ الْمَالِ مَقْصُودًا بَاطِلٌ فِي جِنْسِ الْقُرَبِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حَاجَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمَنْ يَقَعُ لَهُ الْقُرْبَةُ أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ وَمَالِكُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُنَزَّهٌ عَنْ نَقِيصَةِ الْحَاجَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ فِي الْقُرْبَةِ مَقْصُودًا
فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمْ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ كَيْ لَا تَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ فَلْيُؤَدِّ زَكَاتَهُ» قُلْنَا هَذَا خَبَرٌ مُزَيَّفٌ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَعُدُّ الْوَصْفَ عَلَيْهِ السِّنِينَ لَمْ يُجْبِرْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنْ شَاءَ أَدَّى وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُؤَدِّ وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا وَلَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةُ بَيْنَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَوْ بَلَغَهُمْ لَمَا وَسِعَهُمْ تَرْكُ الْمُحَاجَّةِ بِهِ وَلَوْ احْتَجُّوا بِهِ لَاشْتُهِرَ أَكْثَرَ مِنْ شُهْرَةِ الْفَتْوَى، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يُرَدُّ بِمِثْلِهِ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ حَكَى إجْمَاعَ السَّلَفِ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ قَوْلُهُ (وَمَا يَشُوبُهُ) أَيْ يَخْلِطُهُ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ مِثْلَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَمْ يَلْزَمْ الصَّبِيَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا قُلْنَا آنِفًا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ بِوَاسِطَةِ أَدَاءِ الْوَلِيِّ وَقَدْ تَرَجَّحَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا فَصَارَ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ اجْتِزَاءً أَيْ اكْتِفَاءً.
وَذَلِكَ أَيْ الِاخْتِيَارُ الْقَاصِرُ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَزِمَهُ مَا كَانَ مُؤْنَةً فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ خَالَطَ الْعُشْرَ حَتَّى لَمْ يَجِبْ عَلَى الْكَافِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ خَالَطَ الْخَرَاجَ حَتَّى لَا يَبْتَدِئَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَكِنَّهُمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فِيهِمَا لَيْسَا بِمَقْصُودَيْنِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا الْمَالُ وَأَدَاءُ الْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ كَأَدَائِهِ فَيَكُونُ الصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهِمَا وَلِمَا ذَكَرْنَا أَيْ فِي نَفَقَةِ الْأَزْوَاجِ أَنَّ الصَّبِيَّ أَهْلٌ لِوُجُوبِ الْمُؤَنِ وَمَا كَانَ عُقُوبَةً مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ كَالْحُدُودِ كَمَا لَا يَجِبُ مَا هُوَ عُقُوبَةٌ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهُوَ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمُؤَاخِذُ بِالْعُقُوبَةِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِحُكْمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَدَاءِ كَانَ أَهْلًا لِنَفْسِ الْوُجُوبِ كَانَ الْكَافِرُ أَهْلًا لِأَحْكَامٍ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَدَائِهَا إذْ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَصَالِحُ الدُّنْيَا وَهُمْ أَلْيَقُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَكَذَا الْمَقْصُودُ مِنْ الْعُقُوبَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الدُّنْيَا الِانْزِجَارُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَطْلُوبٌ مِنْ الْكَافِرِ كَمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ بَلْ الْكَافِرُ أَلْيَقُ بِمَا هُوَ عُقُوبَةٌ وَجَزَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ فَكَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ لَهُ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْمَهْرُ إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَالْقِصَاصُ إذَا قَتَلَ وَلِيَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute