للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْوَلِيِّ وَلَزِمَهُ مَا كَانَ مُؤْنَةً فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَا كَانَ عُقُوبَةً لَمْ يَجِبْ أَصْلًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَلِهَذَا كَانَ الْكَافِرُ أَهْلًا لِأَحْكَامٍ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَدَائِهَا فَكَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ الَّتِي هِيَ طَاعَاتُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ

ــ

[كشف الأسرار]

كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ.

١ -

لَا خِلَافَ أَنَّ الْخِطَابَ بِالشَّرَائِعِ الَّتِي هِيَ لِلطَّاعَاتِ يَتَنَاوَلُ الْكُفَّارَ فِي حُكْمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤَاخَذُونَ بِتَرْكِ الِاعْتِقَادِ لِأَنَّ مُوجَبَ الْأَمْرِ اعْتِقَادُ اللُّزُومِ وَالْأَدَاءِ وَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ اللُّزُومَ اعْتِقَادًا وَذَلِكَ كُفْرٌ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ إنْكَارِ التَّوْحِيدِ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ وَالْإِقْرَارَ بِالتَّوْحِيدِ لَا يَكُونُ مَعَ إنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ فَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا يُعَاقَبُ عَلَى أَصْلِ الْكُفْرِ

فَأَمَّا فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَمَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُ وَأَنَّ الْأَدَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.

وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ دِيَارِنَا أَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِأَدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ وَالشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ

وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ لَوْ أَدَّوْهَا فِي حَالِ الْكُفْرِ لَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ أَسْلَمُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْعِبَادَاتِ الْفَائِتَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ يُعَاقَبُ الْكُفَّارُ بِتَرْكِ الْعِبَادَاتِ زِيَادَةً عَلَى عُقُوبَةِ الْكُفْرِ كَمَا يُعَاقَبُونَ بِتَرْكِ الِاعْتِقَادِ وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي لَا يُعَاقَبُونَ بِتَرْكِ الْعِبَادَاتِ.

كَذَا فِي الْمِيزَانِ تَمَسَّكَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ مَسْأَلَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إيَّاهُمْ {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: ٤٢] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] الْآيَاتِ فَظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَدَاءِ فِي الدُّنْيَا فَدَلَّ أَنَّ الْأَدَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: ٦] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٧] أَخْبَرَ بِالْوَيْلِ لَهُمْ بِعَدَمِ إيتَاءِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ وَبِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مُتَقَرِّرٌ وَصَلَاحِيَّةُ الذِّمَّةِ لِلْوُجُوبِ مَوْجُودَةٌ وَشَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْدُومٍ فِي حَقِّهِمْ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْأَدَاءِ بِشَرْطِ تَقْدِيمِ الْإِيمَانِ كَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ يُخَاطَبَانِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ لِتَمَكُّنِهِمَا مِنْ أَدَائِهَا بِتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَيْهِ فَلَوْ سَقَطَ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ بَعْدُ كَانَ ذَلِكَ تَخْفِيفًا بِسَبَبِ الْكُفْرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ زَوَالَ التَّمَكُّنِ بِسَبَبِ السُّكْرِ وَبِسَبَبِ الْجَهْلِ إذَا كَانَ عَنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ لَا يُسْقِطُ الْخِطَابَ بِالْأَدَاءِ فَبِسَبَبِ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ الْجِنَايَاتِ أَوْلَى وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ سَقَطَتْ الْوَاجِبَاتُ عَنْهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ بِعَفْوِ صَاحِبِ الْحَقِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] .

وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» لَا أَنَّهَا لَمْ تَجِبْ فَإِذَا مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فِي الْآخِرَةِ وَلَيْسَ حُكْمُ الْوُجُوبِ وَفَائِدَتُهُ الْأَدَاءَ لَا غَيْرُ فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَاجِبٌ عَلَى كَافِرٍ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مُسْلِمٍ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الْأَدَاءُ لِأَنَّ خِلَافَ مَعْلُومِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَلَكِنَّهُمَا وَجَبَا لِفَائِدَةِ تَوَجُّهِ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ فَكَذَا هَاهُنَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» الْحَدِيثَ فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>