للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا إذَا أَوْصَى الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ وَصَايَا الْبِرِّ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِرْثَ شُرِعَ نَفْعًا لِلْمُوَرِّثِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ شُرِعَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَفِي الِانْتِقَالِ إلَى الْإِيصَاءِ تُرِكَ الْأَفْضَلُ لَا مَحَالَةَ

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الْعَيْبِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا مَعْنَى الضَّرَرِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ وَبِإِذْنِ الْوَلِيِّ تَلْزَمُهُ لِأَنَّ قُصُورَ رَأْيِهِ انْدَفَعَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَصَارَ أَهْلًا لِلُزُومِ الْعُهْدَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِإِذْنِ الْمَوْلَى تَلْزَمُهُ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ وَحُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا حَتَّى صَحَّ تَوَكُّلُهُ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ كَمَالِ عَقْلِهِ وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى وَبِإِذْنِ الْمَوْلَى تَلْزَمُهُ لِالْتِزَامِ الْمَوْلَى الضَّرَرَ بِالْإِذْنِ لَكِنْ بِنَاءُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَنْ يُفَسَّرَ الْأَصْلُ بِمَعْنًى آخَرَ يَسْتَقِيمُ تَخْرِيجُهَا عَلَيْهِ وَلَا يَخْلُو عَنْ تَمَحُّلٍ فَتَكُونُ النُّسْخَةُ الْأُولَى أَظْهَرَ.

قَوْلُهُ (مِنْ وَصَايَا الْبِرِّ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْبِرِّ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْخِلَافُ فِي وَصَايَا فِي الْبِرِّ دُونَ غَيْرِهَا عَيَّنَ هَذِهِ الصُّورَةَ لِيُمْكِنَهُ الْإِشَارَةُ إلَى الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ عِنْدَنَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُجَوِّزُونَ مِنْ وَصَايَاهُ مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ نَفْعٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ بَعْدَمَا اسْتَغْنَى عَنْ الْمَالِ نَفْسِهِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ أَوَانَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ فَكَانَ وَلِيًّا فِيهَا بِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا نَفْعًا مَحْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالصَّبِيُّ فِي الْإِرْثِ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يُسَاوِي الْبَالِغَ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ تَبَرُّعِهِ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ فِي حَالِ حَاجَتِهِ وَبِخِلَافِ إيمَانِهِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَلِيُّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ وَلِيًّا بِنَفْسِهِ كَيْفَ وَقَدْ أَجَازَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصِيَّةَ غُلَامِ نَافِعٍ وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ وَسُئِلَ شُرَيْحٌ عَنْ وَصِيَّةِ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ فَقَالَ إنْ أَصَابَ الْوَصِيَّةَ فَهِيَ جَائِزَةٌ وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ.

وَعِنْدَنَا وَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهَا إزَالَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ ضَرَرًا مَحْضًا فِي الْأَصْلِ فَتُعْتَبَرُ بِإِزَالَتِهِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَلَا تَصِحُّ وَمَا فِيهَا مِنْ النَّفْعِ حَصَلَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّهَا حَالَةُ الْمَوْتِ فَيَزُولُ عَنْهُ الْمِلْكُ لَوْ لَمْ يُوصِ وَمَا يَنْقَلِبُ نَفْعًا بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا يُعْتَبَرُ.

كَمَا لَوْ بَاعَ شَاةً أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ مَعَ أَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَكِنَّ النَّفْعَ فِي أَصْلِهِ لَمَّا تَضَمَّنَ ضَرَرًا لَمْ يَصِحَّ وَكَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ انْقَلَبَ نَفْعًا بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَكَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْمُعْسِرَةَ الشَّوْهَاءَ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا الْمُعْسِرَةَ الْحَسْنَاءَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ انْقَلَبَ الطَّلَاقُ نَفْعًا مَحْضًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ أَصْلَ التَّصْرِيفِ مِنْ الْمَضَارِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ حَرَجًا فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَابٍ أَصْلُهُ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ فِي إيصَائِهِ نَفْعًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَهُوَ حُصُولُ الثَّوَابِ فَفِي الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ تَرْكُ نَفْعٍ أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّ الْإِرْثَ شُرِعَ نَفْعًا لِلْمُوَرِّثِ فَإِنَّ نَقْلَ مِلْكِهِ إلَى أَقَارِبِهِ عِنْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ يَكُونُ أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ النَّقْلِ إلَى الْأَجَانِبِ وَهُوَ أَفْضَلُ شَرْعًا لِأَنَّهُ إيصَالُ النَّفْعِ إلَى الْقَرِيبِ وَصِلَةٌ لِلرَّحِمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ لِسَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» أَيْ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ فُقَرَاءَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ أَكُفَّهُمْ وَإِنَّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>