للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَمَا شُرِعَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ فَكَذَلِكَ هَذَا.

وَلِذَلِكَ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَيَّرَ الصَّبِيُّ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ الْمَيْلُ إلَى الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ وَالْوَلِيُّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ لَيْسَ بِوَلِيٍّ فَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْإِيصَاءِ تَرَكَ هَذَا الْأَفْضَلَ وَهُوَ ضَرَرٌ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّهُ أَيْ الْإِيصَاءَ كَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْإِيصَاءُ ضَرَرًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ الْبَالِغِ فَقَالَ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُ كَامِلَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ فِي حَقِّهِ الْمَضَارَّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ شَرَعَ فِي حَقِّ الْبَالِغِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْ فَكَالطَّلَاقِ الْإِيصَاءُ يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ الْبَالِغِ دُونَ الصَّبِيِّ.

وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْغُلَامَ مَا كَانَ بَالِغًا وَلَكِنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ وَمِثْلُهُ يُسَمَّى يَافِعًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ التَّابِعِينَ دُونَ الصَّحَابَةِ.

قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّ مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ لَا يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ قُلْنَا كَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَقُّ الْحَضَانَةِ لِلْأُمِّ إلَى سَبْعِ سِنِينَ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْوَلَدُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ يَكُونُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ» وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ خَيَّرَنِي عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ عَمِّي وَأُمِّي وَكُنْت ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ وَلِأَنَّ الْمُقَامَ مَعَ الَّذِي اخْتَارَهُ الصَّبِيُّ نَفْعٌ مَحْضٌ لَهُ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ أَشْفَقَ عَلَيْهِ وَأَرْفَقَ بِهِ وَأَنَّهُ يَخْتَارُ الْمُقَامَ مَعَهُ فَيَكُونُ مَنْفَعَةً مَحْضَةً فِي حَقِّهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْلًى عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ فَيَكُونُ وَلِيًّا بِنَفْسِهِ وَعِنْدَنَا إنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا فَحَقُّ الْحَضَانَةِ لِلْأُمِّ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا بِأَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ ثُمَّ يُدْفَعُ إلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهَا إلَى أَنْ تَحِيضَ ثُمَّ تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ وَلَا يُخَيَّرُ بِوَجْهٍ وَلَا تُعْتَبَرُ عِبَارَتُهُ فِيهِ شَرْعًا لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ بَلْ جَانِبُ الضَّرَرِ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِهِ الْمَيْلُ إلَى الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ فَيَخْتَارُ مَنْ يَدَعُهُ يَلْعَبُ وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِالْآدَابِ وَيَتْرُكُهُ خَلِيعَ الْعِذَارِ لِقِلَّةِ نَظَرِهِ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ.

وَلَا يُقَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ بِفِعْلِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَا بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتِيَارُهُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ فَتَصِيرُ الْأَخِيرَةُ مُضَافَةً مَعَ حُكْمِهَا إلَى الْأُولَى كَمَا فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ وَالْوَلِيُّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ لَيْسَ بِوَلِيٍّ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ قَدْ يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ اخْتِيَارُهُ إذَا رَضِيَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَا يُعْتَبَرُ اخْتِيَارُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ نِزَاعِهِ الْأُمَّ وَأَنَّهُ فِي هَذَا الِاخْتِيَارِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ عَامِلًا لِلصَّبِيِّ وَنَاظِرًا لَهُ فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ وَلَا قَوْلُ أَبِيهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي رَهْنِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ صِبْيَانٌ فَأَسْلَمُوا ثُمَّ رَضُوا بِرَدِّهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِاسْتِرْدَادِ رَهْنِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ لَا تُعْتَبَرُ رِضَاهُمْ فِي ذَلِكَ وَلَا رِضَاءُ آبَائِهِمْ وَلَا يُرَدُّونَ بِخِلَافِ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ فَهَذَا نَوْعُ اخْتِيَارٍ مِنْهُ ثُمَّ لَا تُعْتَبَرُ عِبَارَتُهُ فِيهِ وَلَا عِبَارَةُ وَلِيِّهِ لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ الَّذِي يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا

فَإِنْ قِيلَ إذَا أَقَرَّ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَفِيهِ اعْتِبَارُ عِبَارَتِهِ فِيمَا يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا فِي حَقِّهِ وَهُوَ إبْطَالُ الْحُرِّيَّةِ وَتَبَدُّلُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ.

قُلْنَا ثُبُوتُ الرِّقِّ هَا هُنَا لَيْسَ بِعِبَارَتِهِ وَلَكِنْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ أَنَّهُ عَبْدِي لِأَنَّ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ إيَّاهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يَتَقَرَّرُ يَدُهُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>