للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقَضَاءَ فِي الصَّوْمِ بِالنَّصِّ فَقَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْقَضَاءِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» فَقُلْنَا نَحْنُ: وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَعْقُولٌ فَإِنَّ الْأَدَاءَ كَانَ فَرْضًا، فَإِذَا فَاتَ فَاتَ مَضْمُونًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ مِثْلِهِ مِنْ عِنْدِهِ لِكَوْنِ النَّفْلِ مَشْرُوعًا لَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَمَرَ بِصَرْفِ مَالِهِ إلَى مَا عَلَيْهِ وَسَقَطَ فَضْلُ الْوَقْتِ إلَى غَيْرِ مِثْلٍ وَإِلَى غَيْرِ ضَمَانٍ إلَّا بِالْإِثْمِ إنْ كَانَ عَامِدًا لِلْعَجْزِ، فَإِذَا عَقَلَ هَذَا وَجَبَ الْقِيَاسُ بِهِ فِي قَضَاءِ الْمَنْذُورَاتِ الْمُتَعَيِّنَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْفَضِيلَةِ مِثْلُهُ وَالْمِثْلِيَّةُ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ، وَكَذَا جَمِيعُ عِبَادَاتِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ كَالْمُومِئِ وَغَيْرِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِبَادَاتِ الْكَامِلَةِ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي حَقِّ إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النَّصَّ مَعْقُولُ الْمَعْنَى تَعَدَّى الْحُكْمُ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِهِ إلَى الْفُرُوعِ وَهِيَ الْوَاجِبَاتُ بِالنَّذْرِ الْمُؤَقَّتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهَا.

وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ مِثْلَ الْعِبَادَةِ لَا يَصِيرُ عِبَادَةً إلَّا بِالنَّصِّ لِأَنَّا قَدْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي قَدْ شُرِعَ عِبَادَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ حَقًّا لِلْعَبْدِ هَلْ يَجِبُ إقَامَتُهُ مَقَامَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ فِي الْوَقْتِ عِنْدَ فَوَاتِهِ فَنَقُولُ بِأَنَّهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَقَامَهُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ فَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنْ الْجُمُعَةِ وَتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُمَا لِلْعَجْزِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْخُطْبَةِ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِلْعَبْدِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَبِمُضِيِّ الْوَقْتِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهَا مَشْرُوعٌ لِلْعَبْدِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، وَكَذَا الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِلْعَبْدِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّكْبِيرِ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِكَوْنِهِ بِدْعَةً فَبِمُضِيِّ الْوَقْتِ يَتَحَقَّقُ الْفَوَاتُ فِيهِ فَيَسْقُطُ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يُقَالُ لَمَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِالنَّصِّ إذْ لَوْلَاهُ لَمَا عُرِفَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُكُمْ الْقَضَاءُ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ، لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عَرَفْنَا بِالنَّصِّ الْمُوجِبِ لِلْقَضَاءِ أَنَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ سَقَطَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَأَنَّ هَذَا النَّصَّ طَلَبٌ لِتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بِالْمِثْلِ وَلِهَذَا سُمِّيَ قَضَاءً وَلَوْ وَجَبَ بِهِ ابْتِدَاءً لَمَا صَحَّ تَسْمِيَتُهُ قَضَاءً حَقِيقَةً، وَهَذَا كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَهَلَكَ عِنْدَهُ يَجِبُ الضَّمَانُ لِوُرُودِ النُّصُوصِ الْمُوجِبَةِ لَهُ، وَلَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْغَصْبِ السَّابِقِ الْمُوجِبِ لِلْأَدَاءِ، وَهُوَ رَدُّ الْعَيْنِ وَالنُّصُوصُ لِطَلَبِ التَّفْرِيغِ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، فَكَذَا هُنَا.

، قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ: الْفَرِيقُ الْآخَرُ قَالُوا الْفَائِتُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْأَدَاءِ وَمَا وَجَبَ أَدَاؤُهُ فَاتَ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْمَغْصُوبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدَاؤُهُ وَاجِبًا وَكَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ يُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ أَيْضًا فَثَبَتَ أَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عِنْدَ الْفَوَاتِ، وَلَهُ مِثْلٌ مَشْرُوعٌ عِنْدَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَهُوَ النَّفَلُ، فَإِنَّهُ شُرِعَ عِبَادَةً بِحُكْمِ الْأَمْرِ وَأَدَاءُ الْمِثْلِ مِنْ عِنْدِهِ عَنْ الْفَائِتِ الْمَضْمُونِ أَمْرٌ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَمْرٍ مُبْتَدَأٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

قَوْلُهُ (وَبَيَانُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فِي هَذَا أَيْ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ، وَهُوَ مَعْقُولٌ أَيْ وُجُوبُ الْقَضَاءِ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَسَقَطَ فَضْلُ الْوَقْتِ إلَى كَذَا ضَمِنَ فِيهِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ أَيْ سَقَطَ مُنْتَهِيًا إلَى غَيْرِ مِثْلٍ بِأَنْ لَمْ يَجِبْ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِلَى غَيْرِ ضَمَانٍ بِأَنْ لَمْ يَجِبْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَيْضًا، فَإِذَا عَقَلَ هَذَا أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَجَبَ الْقِيَاسُ بِهِ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَنْذُورَاتِ الْمُتَعَيِّنَةِ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ يَجِبُ قَضَاؤُهَا بِالْقِيَاسِ، وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ لِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ مَقْصُودٍ فِيهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِهِ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَمَضَى الْيَوْمُ وَالشَّهْرُ وَلَمْ يَفِ فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>