للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ شَرَعَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ بَطَلَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ فَيَصِحَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَمَّا الَّذِي شُرِعَ لَهُ فَبِنَاءً عَلَى حَاجَتِهِ لِأَنَّ مَرَافِقَ الْبَشَرِ إنَّمَا شُرِعَتْ لَهُمْ لِحَاجَتِهِمْ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ لَازِمَةٌ لِلْبَشَرِ وَالْمَوْتُ لَا يُنَافِي الْحَاجَةَ فَبَقِيَ لَهُ مَا يَنْقَضِي بِهِ الْحَاجَةُ وَلِذَلِكَ بَقِيَتْ التَّرِكَةُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ عِنْدَ قِيَامِ الدُّيُونِ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قُدِّمَ جِهَازُهُ ثُمَّ دُيُونُهُ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ وَصَايَاهُ كُلُّهَا وَاقِعَةً وَمُفَوَّضَةً

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى ذِمَّتِهِ بِخَرَابِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَإِنْ كَانَتْ ضَمَّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا فِي أَصْلِ الدَّيْنِ وَلَكِنَّهَا يَنْعَقِدُ مُجَوِّزَةً لِتَحَوُّلِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا إذَا أَدَّى الْكَفِيلُ الدَّيْنَ أَوْ وُهِبَ لَهُ يَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَالْهِبَةِ وَقَدْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ هَاهُنَا إلَى التَّحَوُّلِ لِيُمْكِنَ إيفَاءُ حُكْمِ الْكَفَالَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ فَلِذَلِكَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنْ يَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْأَصِيلِ وَعَنْ الْكَفِيلِ أَيْضًا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يُوجِبُ أَنْ يَصِحَّ عَنْ الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ.

١ -

وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا قَتَلَ الْمُفْلِسُ الْمَدْيُونَ عَمْدًا فَكَفَلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ إنْسَانٌ صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ مَالًا لِأَنَّهُ بِعَرَضٍ أَنْ يَصِيرَ مَالًا بِعَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ أَوْ بِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فَلِتَوَهُّمِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا بِقَضَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ يُجْعَلُ الدَّيْنُ بَاقِيًا حُكْمًا فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَأَمَّا الْمُتَبَرِّعُ إذَا أَدَّى فَإِنَّمَا صَحَّ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُلَاقِي جَانِبَ صَاحِبِ الْحَقِّ دُونَ الْمَدْيُونِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَمْ يَصِرْ الْمَدْيُونُ مُؤَدِّيًا بَلْ يَبْرَأُ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ رَبُّ الدَّيْنِ عَنْهُ وَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا بِمَوْتِ الْآخَرِ وَحُكْمُ السُّقُوطِ عَنْ الْمَدْيُونِ لِضَرُورَةِ فَوْتِ الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَهُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ شُرِعَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِحَاجَةِ الْغَيْرِ مَشْرُوعًا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَنَحْوِهَا بَطَلَ بِالْمَوْتِ أَيْ سَقَطَ بِهِ لِأَنَّ ضَعْفَ الذِّمَّةِ بِالْمَوْتِ فَوْقَ ضَعْفِهَا بِالرِّقِّ وَالرِّقُّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ فَالْمَوْتُ بِهِ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُوصِيَ فَيَصِحَّ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ تَصَرُّفَهُ فِي الثُّلُثِ نَظَرًا لَهُ وَنَفْعُ الْوَصِيَّةِ رَاجِعٌ إلَيْهِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهَا نَظَرًا لَهُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي شُرِعَ لِلْعَبْدِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ.

فَبِنَاءً عَلَى حَاجَتِهِ لِأَنَّ مَرَافِقَ الْبَشَرِ أَيْ مَا يَرْتَفِقُونَ بِهِ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِحَاجَتِهِمْ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ لَازِمَةٌ لِلْبَشَرِ فَإِنَّهَا صِفَةٌ تَثْبُتُ فِيهِمْ لِكَوْنِهِمْ مَخْلُوقِينَ مُحْدَثِينَ بِخَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِإِحْدَاثِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ زَوَالُ هَذِهِ الصِّفَةِ عَنْهُمْ وَالْعُبُودِيَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَاجَةِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْعَجْزِ وَالِافْتِقَارِ فَشُرِعَتْ لَهُمْ مِنْ الْمَرَافِقِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ حَوَائِجُهُمْ وَالْمَوْتُ لَا يُنَافِي الْحَاجَةَ لِأَنَّهَا تَنْشَأُ عَنْ الْعَجْزِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ النُّقْصَانِ وَلِهَذَا قِيلَ الْحَاجَةُ نَقْصٌ يَرْتَفِعُ بِالْمَطْلُوبِ وَيَنْجَبِرُ بِهِ وَلَا عَجْزَ فَوْقَ الْمَوْتِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَوْتَ لَا يُنَافِي الْحَاجَةَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَبْقَى لَهُ أَيْ لِلْمَيِّتِ مِمَّا كَانَ مَشْرُوعًا لَهُ لِحَاجَتِهِ مَا يُقْتَضَى بِهِ الْحَاجَةُ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَنَّ بَقَاءَ التَّرِكَةِ عَلَى مِلْكِهِ لِلْحَاجَةِ قُدِّمَ جِهَازُهُ ثُمَّ دُيُونُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّجْهِيزِ أَقْوَى مِنْهَا إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ التَّجْهِيزِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِبَاسُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَنْزِعُوا ثِيَابَهُ لِمِسَاسِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ التَّجْهِيزُ عَلَى الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَقُّ الْغَيْرِ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهَا كَمَا فِي الْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَرْهُونِ وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي وَنَحْوِهَا فَصَاحِبُ الْحَقِّ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ وَأَوْلَى بِهَا مِنْ صَرْفِهَا إلَى التَّجْهِيزِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>